سياق تشهيره بفريس Verres، إن بلادها كانت مقفرة في عهد الجمهورية:"إن كل الولايات تندب حظها، وجميع الأحرار يصرخون ويعولون، وجميع الممالك تحتج على قسوتنا وشرهنا، وليس ثمة مكان فيما بين المحيطين، مهما يكن قاصياً أو خافياً، لم يشعر بوطأة جشعنا وظلمنا"(١). أما الزعامة فكانت أكثر سخاء من الجمهورية في معاملتها للولايات، ولم يكن هذا كرماً منها بل كان حسن التدبير. فقد كانت الضرائب في أيامها غير باهظة، وكانت تحترم الأديان واللغات والعادات المحلية، وكانت حرّية الكلام مباحة إلا إذا كانت طعناً في السلطة العليا، وسمحت لها أن تحتفظ بقوانينها المحلية مادامت هذه القوانين لا تتعارض مع مكاسب الرومان وسيادتهم. وقد اتبعت خطة مرنة حكيمة أمكنها بها تقسيم الولايات الخاضعة لسلطانها أقساماً متفاوتة في المرتبة، وتقسيم الأهلين في داخل كل ولاية طبقات متفاوتة القدر كذلك. فقد كانت بعض البلطيات كأثينة ورودس "مدناً حرة"، تعطي جزية، ولا تخضع لحاكم الولاية، وتدير شؤونها الداخلية بنفسها من غير أن تتدخل فيها روما ما دامت تحتفظ بالنظام الاجتماعي والسلم. وقد سمحت روما لبعض الممالك القديمة أمثال نوميديا وكبدوكيا أن تحتفظ بملوكها، ولكن هؤلاء الملوك كانوا "أفيالاً" لروما يعتمدون على حمايتها وسياستها، وكان يطلب إليهم أن يمدوها بالمال والعتاد إذا أرادت ذلك. وكان حاكم الولاية تجمع في شخصه السلطة التشريعية التنفيذية، والقضائية، ولم يكن يحد من سلطانه إلا المُدن الحرة، وحق المواطن الروماني في أن يلجأ إلى الإمبراطور، والرقابة المالية التي كان يقوم بها الكوستر أو الرقيب.
غير أن هذا السلطان المطلق كان يغري الحكام بأن يسيئوا استخدام سلطتهم، ومع أن المدة التي كان يتولى فيها الحاكم منصبه قد طالت في عهد الزعامة، ومع أن مرتّبه ومخصصاته الأخرى قد زيدت زيادة كبيرة، ومع أن مسئوليته عن أعماله المالية أمام الإمبراطور قد قللت من فساد الحكم وسوء