في كل الأحوال أن يكتب عن الناس أعداؤهم. وقد اشمئزّت نفس بوسيدونيوس حين رآهم يعلقون رؤوس أعدائهم بعد فصلها عن أجسامهم في رقاب جيادهم (٢٧). وكان يسهل استثارتهم للجدول والقتال، وكانوا في بعض الأحيان يسلّون أنفسهم في المآدب بأن يتبارزوا حتى يقتلوا بعضهم بعضاً. ويقول عنهم قيصر:"إنهم كانوا أكفاء لنا في الشجاعة وفي التحمس للحرب"(٢٨)، ويصفهم أميناس مرسلينس Ammianus Marcellinus بأنهم:
"مهما تكن سنهم يليقون للخدمة العسكرية، فالشيخ منهم يخرج للحرب وهو لا يقل شجاعة عن الشاب في مقتبل العمر … والحق أن سريّة كاملة من الأجانب لتعجز عن الوقوف في وجه غالي واحد إذا دعا زوجته إلى تأييده، وهي في العادة أشد منه بأساً وأعظم شراسة، وخاصة إذا نفخت عنقها، وعضت على أسنانها، ولوّحت بذراعيها الضخمتين، وشرعت تكيل الربات بيديها وقدميها كأنها حجارة تُقذَف من منجنيق".
وكان الغاليون يؤمنون بآلهة كثيرة، نسي الناس كل أمرها فلا ضير عليها إذا لم نذكر أسماءها. وكان اعتقادهم بحياة سعيدة في الدار الآخرة قوياً إلى حد حمل قيصر على الحكم بأن هذا الإيمان كان له أكبر الأثر في شجاعة الغاليين. ويقول فاليريوس مكسمس: إن قوّة هذه العقيدة كانت تدفع رجالهم إلى أن يُقرِضوا المال على أن يردَّ إليهم في الديار الآخرة، ويقول ليسدونيوس إنه رأى الغاليين في إحدى الجنازات يكتبون الرسائل إلى أصدقائهم المتوفين ويلقون بها على كومة الحريق حتى يحملها الميت إلى المرسَلة إليهم (٣٠)؛ وليتنا نستطيع أن نستمتع برأي رجل غالي في هذه القصص الرومانية. وكان كهنتهم يشرفون على جميع شؤون التعليم، ويعنون كل العناية بغرس العقيدة الدينية في نفوس المتعلمين؛ وكانوا يقومون بطقوس دينية ذات روعة، يؤدونها في الأيك أكثر مما يؤدونها في الهياكل، ويسترضون الآلهة بتقديم الضحايا البشرية