حتى قد استطاعت هذه المدينة الأخيرة أن تقدم لزنودوتس Zenodotus أربعمائة ألف سسترس ليقيم بها تمثالاً ضخماً لعطارد (٣٦). وفي غاليا التربونية بلغت المُدن من الكثرة درجة جعلت بلني يصفها بأنها "أشبه بإيطاليا منه بولاية من ولاياتها"(٣٧). وكان في الجهة الغربية مدينة طولوزا Tolosa (طولوز الحالية) التي اشتهرت بمدارسها، وكانت ناربو Narbo نربونة (Narbonne) عاصمة الولاية في القرن الأول الميلادي أعظم مدائن غالة، وأهم الثغور التي تصدر منها غلاتها إلى إيطاليا وأسبانيا، وقد وصفها سيدونيوس أبلينارس Sidonius Apollinaris بقوله إن "فيها أسواراً، وطرقاً للتنزّه، وحانات، وعقوداً وأروقة ذات عُمَد، وسوقاً عامة، وملهى، وهياكل وحمّامات، وأسواقاً للبيع والشراء، ومراعي، وبحيرات، وقنطرة، وبحراً"(٣٨). وكان إلى شرق هذه المدينة على طريق دوميتيا العظيم الذي يصل أسبانيا بإيطاليا بلدة نموسس Nemousus (نيمز Nimes) . وقد شاد أغسطس والمدينة بيتها المربع Maison Carre`e الجميل تخليداً لذكرى حفيديه لوسيوس وكيوس قيصر؛ ومما يدعو إلى الأسف أن أعمدته الداخلية داخلة في جدران المحراب، ولكن أعمدته الكورنثية المنفصلة لا تقل جمالاً عن أية عُمَد في روما. ولا تزال الاحتفالات تقام من آن إلى آن في مدرجها الذي كان يتسع لعشرين ألفاً من النظارة. وتحولت القناة الرومانية التي كانت تنقل الماء العذب إلى روما على مر الزمن إلى قنطرة نهر جار Gard ولا تزال العقود السفلى لهذه القنطرة قائمة إلى اليوم في صورة آثار ضخمة محطمة في الريف العابس القريب من المدينة تظهر بجلاء ما بينها وبين العقود الصغرى التي فوقها من إختلاف، وتشهد هذه وتلك بعظمة فنون روما الهندسية.
وأنشأ قيصر شرق هذه المدينة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط مدينة أرلات Arelate (آرل الحديثة Arles) ظناً منه أنها ستحل محل مساليا Massalia) المشاكسة؛ فتكون مركزاً لبناء السفن وثغراً تجارياً هاماً. وكانت