المدينة الأخيرة فقال: "لقد قضيت الشتاء (٣٥٧ - ٣٥٨) في لوتيريا مدينتنا المحبوبة، لأن هذا هو الاسم الذي يطلقه الغاليون عن مدينة الباريزيين الصغيرة، وهي جزيرة في النهر … يعصر فيها الخمر الطيب (٤١).
وكانت ولاية بلجيكا التي تشمل أجزاء من فرنسا وسوسيرا الحاليتين بلاداً لا يكاد أهلها يشتغلون بغير الزراعة؛ وكان معظم ما فيها من صناعات قليلة متصلاً بالقصور الصغيرة ذات الحدائق التي تدل بقاياها الكثيرة على أن أصحابها كانوا من الأشراف الذين يعيشون معيشة الدعّة الوترف. وفي هذه الولاية أنشأ أغسطس المدائن المعروفة الآن بأسماء سواسون Soissons، وسان كنتن St. Quentin، وسنلي Senlis، وبوفيه، وتريف Treves، وازدهرت آخر هذه المدن، وكانت تسمى أغسطا ترفرورم Augusta Trevirorum لأنها كانت مركز قيادة الجيش المدافع عن الرين، وأصبحت في أيام دقلديانوس عاصمة غالة بدل مدينة ليون، وصارت في القرن الخامس أكبر مدينة في شمال جبال الألب، ولا تزال حتى الآن غنية بآثارها الرومانية القديمة - فلا تزال البورتا نجرا Porta Nigra محتفظة بأسوارها الرومانية، ولا تزال فيها حمامات سانت بربارا، وفي إيجل Igel القريبة منها مقبرة أسرة سكنديني، وفي نوماجين Neumagen المجاورة لها النقوش الفجة التي كانت على كتل الحصن الحجرية.
وبُدلت الحياة حول هذه المُدن ظاهرها تبدلاً بطيئاً وجُددت عناصرها في عناد شديد فاحتفظ الغاليون بحقهم، وسراويلهم القصيرة، وظلوا ثلاثة قرون محتفظين بلغتهم ولكن اللغة اللاتينية غلبتهم على أمرهم في القرن السادس. وكان أكبر السبب في هذه الغلبة استخدامها في الكنيسة الرومانية، ولكنها كانت وقتئذ قد شذّبت ورخّمت حتى صارت فرنسية. ونالت روما أعظم فوز لها في غالة بنقل الحضارة الرومانية إليها. ويرى بعض كبار المؤرخين الفرنسيين أمثال جوليان وفنك برنتانو