الغزيرة، وكانت أرضها تحتوي على خامات غنية بالنحاس، والحديد، والقصدير، والرصاص. وكانت صناعاتها المنزلية قبل عهد قيصر تكفي لإيجاد تجارة ناشطة بين القبائل التي تسكنها ومع القبائل الأوربية، وضربت فيها نقود من البرنز والذهب (٤٥). وكانت غارات قيصر في واقع الأمر غارات استكشافية، عاد منها ليؤكد إلى روما أن القبائل التي تسكن تلك البلاد عاجزة عن المقاومة المتحدة، وأن غلاتها تكفي جيشاً غازياً يأتيها في الوقت المناسب. وبعد مائة عام من ذلك الوقت (٤٣ م) عبر كلوديوس القناة ومعه أربعون ألفاً من الجنود كان نظامهم وتسليحهم، ومهارتهم فوق طاقة السكان الأصليين، فأخضعوا بريطانيا لروما وأصبحت من ذلك الوقت ولاية تابعة لها. وفي عام ٦١ قادت ملكة لإحدى القبائل البريطانية تدعى بوتكا Boudicca أو بوديسيا Boadicea ثورة شديدة، وادعت أن ضباطاً رومانيين قد اعتدوا على عفاف ابنتيها، ونهبوا مملكتها، وباعوا كثيراً من رجالها الأحرار في سوق الرقيق. وبينما كان الحاكم الروماني بولينس مشغولاً في الاستيلاء على جزيرة مان Man هزم جيش بوتكا الفيلق الوحيد الذي وقف في وجهه، وزحف على لندنيوم Londinium، وكانت في ذلك الوقت - على حد قول تاستس - "أهم مسكن للتجار، كما كانت سوقاً كبرى للتجارة"(٤٦). وقتل كل روماني في هذه المدينة أو في فريولامنيوم Verulaminium (سانت أولبنز St. Aibans) ، وذُبح سبعون ألف روماني هم وحلفاؤهم قبل أن يلتقي بولينس وفيالقه بالثوار. وحاربت بوتكا وابنتاها في عربة حربية بشجاعة نادرة في أثناء هزيمتها، ثم تجرّعت السُم، وضربت بحد السيف رؤوس ثمانين ألفاً من البريطانيين.
ويحدثنا تاستس عن أجر كولا زوج ابنته وحاكم بريطانيا (٧٨ - ٥٤ م) فيروي كيف نشر الحضارة بين "شعب فظ مشتت ذي نزعة حربية" بإنشاء المدارس، وإذاعة استعمال اللغة اللاتينية، وتشجيع المُدن والأغنياء على تشييد