المعابد، والباسقات، والحمّامات العامة، ثم يقول ذلك المؤرخ السليط:"واستحوذت مباهج الرذيلة شيئا فشيئاً على قلوب البريطانيين، فصارت الحمّامات، والحجرات الجميلة، والمآدب الفخمة، محببة اليهم، وأخذ البريطانيون الغافلون يسمون الآداب الجديدة باسم فنون الإنسانية المهذبة، وإن لم تكن في حقيقة أمرها إلا ستاراً جميلاً للاسترقاق". واستطاع أجركولا بحملات حربية سريعة أن يحمل هذه الفنون والحكم الروماني، إلى ضفاف نهر الكليد Clyde والفورث Forth وأن يهزم جيشاً من الاسكتلنديين مؤلفاً من ثلاثين ألفاً، ولو لم يدعه دومتيان ليواصل الزحف. وشاد هدريان سورا (١٢٢ - ١٢٧) طوله سبعين ميلاً في عرض الجزيرة يمتد من خليج سلواي Splway Firth إلى مصب التين Tyne ليصد الاسكتلنديين الذين كانوا يرتابون في نواياه، وبعد عشرين عاماً من ذلك الوقت أقام لوليوس Lollius في شمال هذا السور سوراً آخر طوله ثلاثة وثلاثون ميلاً يعرف بسور أنطونينسويمتد بين مصبي الكليد والفورث. وبفضل هذين الحصنين استطاعت روما أن تأمن على بريطانيا أكثر من قرنين من الزمان.
وكان حكم روما يزداد ليناً ورحمة كلما زاد استقرارا، فأصبحت المُدن تشرف عليها مجالس شيوخ وجمعيات وطنية وحكام من أهلها، وترك للريف كما ترك في غالة إلى رؤساء القبائل الخاضعين لإشراف الرومان. ولم تكن الحضارة في بريطانيا حضارة مُدن كما كانت في إيطاليا، كما أنها لم تكن غنية غناء حضارة غالة، ولكن المُدن البريطانية أخذت وقتئذ أشكالا جديدة بفضل استنهاض روما وحمايتها لها. وكانت أربع من هذه المُدن مستعمرات يتمتع أهلها بحق المواطنية الرومانية وهي: كمولودنم Camulodunum (كلشستر Colchester) التي كانت أولى عواصم بريطانيا الرومانية ومقر مجلس الولاية، ولندم Lindum التي بدل اسمها لنكولن الحديث Lincoln على ما كان لها من امتياز قديم، وإبراكم Eboracum (يورك) وكانت وقتئذ مركزاً حربياً هاماً، وجليفم Glevum، التي