على أرض اليونان، وجنّدوا أهلها في جيوشهم، واستولوا على محصولات البلاد وذهبها، وجبوا في عامين ضرائب عشرين عاماً، وتركوا الدائن خاوية على عروشها. وانتعشت آسية اليونانية تحت حكم أغسطس، ولكن بلاد اليونان نفسها ظلّت فقيرة، ولم يكن سبب فقرها هو الفتح الروماني بل كان هو الاستبداد الذي خنق أرواح الأهلين في إسبارطة، والحرية التي انحطّت حتى أصبحت فوضى في أثينة، وما جرّه على البلاد عقم الرجال وجدب التربة من وبال. ذلك أن أكثر أبنائها جرأة ومغامرة قد هجروها إلى الأراضي التي كانت أغنى منها وأحدث استقلالاً. وأدّى قيام دول جديدة في مصر، وقرطاجنة، وروما، وقيام الصناعة في بلاد الشرق الهلنستي إلى ترك مواطن الروح اليونانية القديمة خاوية مهجورة. وكانت روما تثقل اليونان بمديحها وتنهب روائع فنها: قد أخذ منها اسكورس Sckourus ثلاثة آلاف تمثال ليزين بها ملهاه، وأرسل كلجيولا زوج عشيقته ليُنقّب في بلاد اليونان عن التماثيل، ونهب نيرون وحده نصف ما في دلفي من روائع النحت، ولم يبسم الحظ لأثينة مرة أخرى إلا حين تولّى هدريان الملك.
وكانت إبيروس هي التي انصبّ عليها غضب روما أول الأمر في الحروب المقدونية، وأباحها مجلس الشيوخ إلى الجند ينهبونها ويعيثون فيها فساداً، وبيع من أهلها خمسة عشر ألفاً في سوق الرقيق، وبنى أغسطس عاصمة جديد لإبيروس فينيقوبوليس ليخلّد ببنائها انتصاره في أكتيوم القريبة منها. وما من شك في أن الحضارة قد وجدت فيها ملجأً ومعتصماً لأن "مدينة النصر" آوت إبكنتس، واستمعت إلى تعاليمه. وكان حظ مقدونية خيراً من حظ جارتها الوفية، فقد كانت هذه البلاد غنية بالمعادن والخشب، وزادت حياتها التجارية نشاطاً بفضل طريق اجناشيا Egnatie الذي كان يصلها هي وتراقة من ابلونيا ودير هكيوم إلى بيزنطية. وعلى هذا الطريق الرئيسي الذي لا يزال بعضه باقياً حتى الآن