للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليه يخطب ابنته. وقد برر عدم زواجه بحجة أن في تعليم الفلسفة خدمة لا تقل عظمة عن ولادة "طفلين أو ثلاثة أطفال فُطَس الأنوف". واتخذ لنفسه في آخر أيامه زوجة تساعده على العناية بطفل أنجاه من الموت بسبب تعرضه لتقلبات الجو. وذاع صيته في جميع أنحاء الإمبراطوريّة في تلك الأيام، وكان هدريان يعدّه من بين أصدقائه.

وكان ابكنتس شبيهاً بسقراط في هذا وفي نواحٍ أخرى كثيرة، ولكنه لم يعنَ بالطبيعة أو بما وراء الطبيعة عناية تحمله على إنشاء نظام فكري، بل كان موضوعه الأوحد الذي يشغف به ويوجه إليه كل عنايته هو الحياة الصالحة. ومن أقواله في هذا المعنى: "ماذا يهمني من أن تكون الأشياء الموجودة على ظهر الأرض مكونة كلها من ذرات … أو من النار والتراب؟ أليس يكفيني أن أعرف حق المعرفة ما هو الطيّب وما هو الخبيث؟ " (٢٥). وليست الفلسفة في رأيه هي قراءة ما في الكتب من حكمة، بل هي تدريب الإنسان نفسه على اتباع الحكمة. وجوهر المسألة أن يشكل الإنسان حياته وسلوكه بحيث لا تتأثر سعادته بالظروف الخارجية إلا أقل التأثر. وهذا لا يتطلب منه أن يكون موقفه من الحياة موقف النُسّاك، بل إن "الابيقوريين، وأسافل الناس" ملومون لأنهم يحولون بين الناس وبين أداء الخدمات العامة، والرجل الصالح يقوم بنصيبه في الشؤون الدينية، ولكنه يرضى، وهو هادئ مطمئن، بجميع صروف الزمان: من فقر، وحرمان، وإذلال، وألم، ورق، وسجن، وموت. ويعرف كيف "يصبر وينبذ".

"لا تقل عن شيء ما" "إني فقدته" بل قُل فقط "إنني رددته". هل مات لك طفل؟ لقد رُدّ. هل ماتت لك زوجة؟ لقد أُعيدت. "لقد اُغتصبت مني مزرعتي". حسن جداً هذه أيضاً قد رُدّت. وما دام الله قد وهبك إياها فاعتنِ بها على أنها ليست لك … "أسفي على أنني أعرج! " أيها العبد!