للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أتؤنب الكون لأنك فقدت ساقاً حقيرة؟ ألا يليق بك أن تنزل عنها هبة خالصة للكون كله؟ … وإذا أُرغمت على الخروج من بلدي منفيّا، فهل في مقدور أحد من الناس أن يمنعني أن أخرج مبتسماً هادئاً؟ … "سألقيك في السجن". إنك لن تسجن إلا جسمي، وسأموت حتماً، فهل يجب إذن أن أموت شاكياً؟ … تلك هي الدروس التي يجب أن تبدأها الفلسفة وتعيدها، وتدونها كل يوم، وتمارسها … ليست منصّة الخطابة وليس السجن إلا مكانين، أحدهما عالٍ والآخر منخفض، ولكن هدفك الأخلاقي يجب أن يكون واحداً في كلتا الحالين (٢٧).

وفي مقدور العبد أن يكون حر الروح كديجين، وفي وسع السجين أن يكون حراً كسقراط، وقد يكون الإمبراطور عبداً كنيرون (٢٨)، وليس الموت نفسه إلا حادثاً عارضاً في حياة الرجل الصالح، في وسعه أن يستعجله إذا تبين أن الشرّ يرجح كثيراً على الخير (٢٩). وخليق به على أية حال أن يستقبله في هدوء، وأن يرى فيه جزءاً من حكمة الطبيعة المكنونة.

"لو أن سنابل الحب كان لها إحساس، فهل كانت ترجو ألا تُحصد؟ … إني أُحبّ أن تعلم أنك لو عِشتَ أبد الدهر لكان عيشك هذا نقمة … إن السفينة تغرق، فماذا أفعل إذن؟ مهما استطعتُ أن أفعل … فسأغرق دون أن أخشى شيئاً أو أن أحجم أو أجدّف في حق الله. بل أعتقد أن من يولد لابد أن يهلك. ذلك أني جزء من الكل كما أن الساعة جزء من اليوم. عليّ أن أجيء كما تجيء الساعة، وأن أنقضي كما تنقضي (٣٠) … يجب ألا تعُد نفسك أكثر من خيط واحد بين جميع الخيوط التي يتكون منها الثوب (٣١) … لا تسعَ لأن يكون ما يحدث لك يحدث كما تحب، بل أحِب أن يحدث ما حدث كما حدث، فإن فعلت وجدت الهدوء والطمأنينة" (٣٢).

وكثيراً ما يتحدث ابكنتس عن الطبيعة بوصفها قوة غير ذات شخصية،