ولكنه في كثير من الأحيان أيضاً يجعل لفكرته عن الطبيعة شخصية، وذكاء، وعاطفة حب. وترى الجو الديني الذي كان يسود عصره يغمر فلسفته ويحيلها تقوى مُستَسلمة شبيهة بتقوى الإمبراطور الذي قرأ فلسفته وردد صدى أفكاره بعد زمن قليل. فهو يتحدّث حديثاً بليغاً رقيقاً عن النظام الفخم الذي يسود الزمان والمكان، وعمّا في الطبيعة من خطط موضوعة، ولكنه ينتقل من هذا ليقول إن "الله قد خلق بعض الحيوانات لكي يؤكل وبعضها الآخر لكي يعمل في المزارع، وبعضها لكي يُخرج الجبن"(٣٣)، وهو يعتقد أن العقل البشري نفسه أداة عجيبة لا يستطيع أن يوجدها إلا إله خالق، وأننا وقد وُجدت لنا عقول لابد أن نكون في الواقع أجزاء من العقل العالمي. ولو أننا استطعنا أن نرجع بأنسابنا إلى الإنسان الأول لوجدنا أنه من أبناء الله، فالله إذن أبونا جميعاً بالمعنى الحرفي للفظ الأبوة، والناس كلهم اخوة (٣٤).
"لم يحجم من راقب تصريف شؤون العالم وفهمها وعرف أن أعظم المجتمعات وأوسعها هو نظام (سستيما Systema أي الوقوف الاجماعي) الخلق والله، وأن الله هو الذي انبعثت منه الأصول التي نشأت منها جميع الأشياء وخاصة الكائنات العاقلة، لم يحجم عن أن يُسمي نفسه مواطناً عالياً … أو بعبارة أصح: ابن الله؟ وإذا استطاع الإنسان أن يؤمن بهذا المبدأ بقلبه وروحه فأكبر ظني أنه لم تخالجه قط فكرة دنيئة أو غير شريفة … فلا تنسَ إذن وأنت تأكل، من أنت الذي يأكل، ومن هو الذي تغذيه، وإذا ما ضاجعت النساء، فأذكر من أنت الذي تفعل هذا … إنك تحمل الله معك … أنت أيها التعس المسكين، وإن كنت لا تعرف (٣٥)!
ويحث ابكتتس طلابه في فقرة خليقة بأن يكتبها القديس بولص أن يسلموا إرادتهم لله في ثقة واطمئنان، وألا يقتصروا على هذا بل أن يكونوا فضلاً عن ذلك رُسُلاً لله بين بني الإنسان فيقول: