يقول الله:"اذهبوا وكونوا شهداء لي على الناس"(٣٦) … وفكروا في المعنى الذي ينطوي عليه قولكم: "لقد بعثني الله إلى العالم لأكون جندياً من جنوده وشاهداً من شهوده، ولأُخبر الناس أن أحزانهم ومخاوفهم عبثٌ وبطلان، وأن الشر لا يمكن أيصيب الرجل الطيّب، حيّاً كان أو ميّتاً. والله يبعثني يوماً هنا ويوماً هناك، ويؤدبني بالفقر وبالسجن، لكي أكون شاهداً حقاً له بين الناس. وإذا ما قمت بهذه الرسالة، فهل يعنين أي مكان أكون فيه، أو من يكون رفاقي، أو ماذا يُقال عني؟ أجل ألا تكون فطرتي كلها منجذبة نحو الله، ونحو شرائعه ووصاياه"(٣٧).
أما هو نفسه فقد كان غموض الأشياء ولآلئها يملأنه رهبة وشكراً، وهو يترنم للخالق بتسبيحة وثنية تُعد من أروع الفقرات في تاريخ الأديان.
"أية لغة ترقى إلى الثناء على جميع أعمال العناية الإلهية؟ … أفما كان خليقاً بنا، لو كانت لنا عقول، أن نصرف وقتنا كله في التغني بمجد الإله والتسبيح بحمده، والتحدث بنعمه؟ أليس من واجبنا ونحن نحفر الأرض ونفلحها، ونأكل من ثمارها، أن تلهجَ ألسنتنا بالثناء عليه؟ - وماذا بعد هذا؟ - أما وقد أصبحت كثرتكم الغالبة عمياء، أفلا يجب أن يكون هناك إنسان يؤدي هذا الواجب بدلاً منكم، وينوب عنكم جميعاً في التغنّي بمدح الله؟ "(٣٨).
إنا لنجد في هذه الفقرات تشابهاً عجيباً بينها وبين كثير من أفكار المسيحية الأولى وإن كنا لا نرى فيها كلمة واحدة عن الخلود، وإن كان في وسعنا أن نرجع بها جميعاً إلى عقائد الرواقيين والكلبيين. والحق أن ابكتتس لَيَتقدم أحياناً على المسيحية يتقدم عليها في تنديده بالاسترقاق، وفي وجوب تحريم عقوبة الإعدام، وفي مناداته بأن يُعامل المجرمون على أنهم مرضى يحتاجون إلى العلاج (٣٩). وهو يدعو الناس إلى أن يحاسبوا ضميرهم في كل يوم من