للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيام حياتهم (٤٠)، ويضع لهم قاعدة من نوع القواعد الذهبية: "لا تكُن سبباً في أن يتعذّب الناس بما لا تحب أن تتعذب به أنت" (٤١)، ويضيف إلى ذلك قوله: "إذا قيل لك إن إنساناً يتحدث عنك حديث السوء، فلا تُدافع عن نفسك بل قُل: إنه لو عرف سائر عيوبي لما ذكر هذه وحدها" (٤٢). وهو ينصح الناس بأن يجزوا الإساءة بالإحسان، "وألا يردوا الشتم إذا شُتموا! " (٤٤). وأن يصوموا من حين إلى حين، وأن "يمتنعوا عما يشتهون" (٤٥). وتراه أحياناً يتحدّث عن الجسم باحتقار مزرٍ كالذي يتحدّث به عنه الناسك الذي لم يتطهر بعد من ذنوبه: "إن الجسم أقذر الأشياء جميعاً وأخبثها … ومن أغرب الأشياء أن نحبّ هذا الشيء ونؤدي له هذه الخدمات العجيبة في كل يوم. أنا أملأ هذا الكيس، ثم أفرغه، فهل ثمة عمل أكثر من هذا مشقة؟ " (٤٦).

ومن أقوال ابكتتس فقرات تنطق بتقى أوغسطين وفصاحة نيومن Newman؛ " تصرّف فيَّ يارب كما تشاء؛ إن عقلي منك وإليك؛ أنا ملك لك. ولست أطلب أن أعفى من شيء ترى أنت أنه خير. اهدني إلى حيث تريد، واكسني بما تشاء من الثياب" (٤٧)، وهو يأمر أتباعه كما يأمرهم عيسى بألا يهتموا بأمر غد.

"إذا كان الله خالقنا، وأبانا، ووليّنا - أفلا يكفي هذا لأن يردعنا الحزن والخوف! ويتساءل بعض الناس: من أين أطعَم إذا لم يكن عندي ما أطعمه؟ ولكن ماذا تقول عن الحيوانات، يكتفي كل منها بنفسه، ولا يعدم ما يصلح له من الطعام، ولا ينقصه ما يوائمه ويتمشى مع طبقته من أساليب الحياة؟ ".

وهل من عجب بعد هذا أن يثني عليه المسيحيون أمثال القدّيس يوحنا وكريستوم وأوغسطين، وأن يتّخذ كتابه "الموجز" بعد تغيير طفيف قاعدة لحياة النساء في الأديرة ومرشداً لهنّ؟ (٤٩). ومن يدري لعلّ أبكتتس قد قرأ أقوال عيسى في صورة ما وأنه قد اعتنق المسيحية على غير علمٍ منه.