كانت قد أتمّت دورتها مبتدئة باللاهوت البدائي، ثم انتقلت منه إلى تشكك السفسطائيين الأولين، ثم إلى كثر دمقريطس، فمداهنة أفلاطون ومحاولته التوفيق بين النزعتين، فنزعة أرسطو الطبيعية، فعقيدة وحدة الله والكون التي كانت تنادي بها الستوا، فالعودة إلى فلسفة التصوّف والاستسلام والتقوى. أما المجمع العلمي فقد انتقل من أساطير مؤسسة النفعية عن طريق تشكك كرنيديز Carneedes إلى خشوع أفلوطرخس القائم على العلم. ولا يلبث أن يبلُغ الذروة في رؤى بلوتنس السماوية. لقد نسي الناس كشوف فيثاغورس العلمية العظيمة، ولكن فكرته عن التجسّد بدأت وقتئذ تحيا حياة جديدة، فكان الفيثاغوريون الجدد ينقبون فيما تنطوي عليه الأعداد من أسرار خفية، ولا ينقطعون يوماً واحداً عن اختبار الضمير الإنساني ويدعو الله أن ينتقلوا بعد أقصر فترة مستطاعة من التجسّد إلى الاتحاد المبارك مع الله بعد أن يمروا بالمطهر - إن كان لابد لهم أن يمروا به (٦٨). وكانت الرواقية تبعد شيئاً فشيئاً عن أن تكون فلسفة الأشراف المفتخرة المستهزئة، وقد وجدت آخر المعبرين عنها وأفصحهم لساناً في عبد من العبيد. وكان إيمانها باللهيب الذي سوف يحرق العالم آخر الدهر، ونبذها كل ملاذ الجسد، واستسلامها في خضوع ومذلة إلى إرادة الله الخفية، كان هذا كله يمهّد السبيل إلى اللاهوت المسيحي والمبادئ الخلقية المسيحية. وملاك القول أن المزاج الشرقي كان وقتئذ يستحوذ على القلعة الأوربية.