للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم تكن روما تعد مصر ولاية تابعة لها، بل كانت تعدّها من أملاك الإمبراطور نفسه، وكان يحكمها حاكم مسئول أمامه وحده. وكان موظفون من اليونان المتمصّرين يديرون أقسامها الثلاثة- مصر السفلى، ومصر الوسطى، ومصر العليا، ومقاطعاتها الست والثلاثين، وبقيت اللغة اليونانية في ذلك العهد هي اللغة الرسمية- ولم تبذل محاولة ما لتحضير السكان، فقد كانت وظيفة مصر في الإمبراطوريّة أن تكون المورد الذي تستمد منه روما ما يلزمها من الحبوب، ولهذا السبب انتزعت من الكهنة مساحات واسعة من الأرض وأعطيت للممولين الرومان أو الإسكندريين، وجُعلت ضياعاً واسعة يعمل فيها الفلاحون ويستغَلّون بلا رحمة. وظلت الرأسمالية الحكومية كما كانت في عهد البطالمة، وإن كانت في صورة أخف من عهدها السابق؛ لقد كانت تنظم كل خطوة من خطوات الأعمال الزراعية وتشرف على تنفيذها: فكان موظفون حكوميون مطردو الزيادة يعينون ما يزرع من المحاصيل، ومقدار ما يزرع منها، ويوزعون البذور على الزراع في كل عام، ويستولون على المحصولات ويودعونها في مخازن حكومية (thesauroi) ، ويُصدّرون منها حصة روما، ويقتطعون الضرائب منها عينا، ويبيعون ما يتبقى بعد ذلك في السوق. وكان القمح والكتان محتكرين للحكومة من البذر إلى البيع؛ وكذلك كان شأن الطوب، والروائح العطرية وزيت السمسم في الفيّوم إن لم يكن في غيرها من الأقاليم، أما غير هذه من الميادين الاقتصادية فكان يُسمح فيها بمشروعات الاستغلال الخاصة، على أن يكون هذا الاستغلال خاضعاً لأنظمة دقيقة شاملة. وكانت مصادر الثروة المعدنية كلها ملكاً للدولة، وكان قطع الرخام واستخراج الحجارة الكريمة امتيازاً خاصاً للحكومة.

واتسع نطاق الصناعات المنزلية فانتشرت في المُدن- وكان قد مضى على قيامها في مصر زمن طويل، فاشتهرت بها مدائن بطليموئيس Ptolemais، ومنفيس وطيبة، وأكسيرهنكس Oxyrhynchus، وصان، وبسطة، ونقراطيس،