وهليوبوليس (عين شمس)؛ وكانت هذه الصناعات في الإسكندرية المورد الذي تعتمد عليه نصف حياة العاصمة الصاخبة. ويبدو أن صناعة الورق كانت قد بلغت وقتئذ المرحلة الرأسمالية، فإن استرابون يحدثنا أن أصحاب مزارع البردي حددوا محصوله ليرفعوا سعره (٣). وكان الكهنة يقيمون المصانع في حرم الهياكل، ويخرجون فيها نسيجاً رقيقاً من التيل، يصنعون منه ملابسهم، ويبيعون بعضه في الأسواق. وقلّما كان يوجد أرقّاء في مصر يعملون في غير الخدمات المنزلية، لأن العمّال "الأحرار" لم يكونوا يؤجرون أكثر مما يكفي لستر عورتهم وسد رمقهم. وكان هؤلاء العمال يضربون عن العمل (anachoresis) في بعض الأحيان- فكانوا يمتنعون عنه ويجتمعون بالهياكل حتى يخرجوا منها بتأثير الجوع أو الألفاظ المعسولة. وكان يحدث أحياناً أن ترفع الاجور، فترتفع الأثمان، وتعود الأمور كما كانت من قبل. وكان يُسمح بإنشاء النقابات الطائفية، ولكنها كانت في الأغلب الأعم خاصة بالتجار ومديري الأعمال، وكانت الحكومة تستخدمها في جباية الضرائب وفي تنظيم أعمال السخرة كإقامة السدود، وحفر الترع وتطهيرها، وإقامة المباني العامة.
وكانت التجارة الداخلية نشطة ولكنها بطيئة. فقد كانت الطرق رديئة، وكانت وسائل النقل البري هي الحمّالين، والحمير، والجمال- التي حلّت وقتئذ محل الخيل للجر والحمل في أفريقية. وكان جزء كبير من التجارة الداخلية يُنقل في نهر النيل أو القنوات. وكانت قناة كبرى يبلغ عرضها مائة وخمسين قدماً وتمت في عهد تراجان، تربط البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الهندي عن طريق النيل والبحر الأحمر. فكانت السفن تخرج في كل يوم من الثغور الواقعة على هذا البحر مثل أرسنوئي، وميوس هرموس Muos Hormos ويرنيس في طريقها إلى أفريقية أو الهند. وكان النظام المصرفي الذي يموّل الإنتاج خاضعاً بأكمله للرقابة الحكومية، وكان في حاضرة كل إقليم