مصرف للدولة، يتسلّم الضرائب، وتودع فيه الأموال العامة. وكانت القروض تعقد للزراع وتشجيع الصناعة والتجارة والأعمال المالية، تقرضها الحكومة أو الكهنة من خزائن الهياكل، أو هيئات الإقراض غير الحكومية (٤). وكانت الضرائب تفرض على جميع المنتجات، والعمليات الاقتصادية، والبيع، والإصدار، والاستيراد، بل وعلى القبور ودفن الأموات؛ وكانت قروض إضافية تُقرر من حين إلى حين، وتُجبى عيناً من الفقراء أو خدمات من الأغنياء. وكانت البلاد- أو كان سادتها- من عهد أغسطس إلى تراجان في رخاء؛ ثم أخذ هذا الرخاء، بعد أن وصل إلى ذروته في ذلم العهد، يفارقها بتأثير الخراج الذي لم يكن يُعرف له حد، والضرائب الفادحة، وما يعقبهما من كساد ونضوب في موارد البلاد، وما يؤدي إليه الاقتصاد المجند من تراخٍ وإهمال.
وبقيت مصر في خارج الإسكندرية ونقراطيس محتفظة بمصريتها عابسة صامتة، وقلّما اصطبغ فيها شيء بالصبغة الرومانية بعيداً عن مَصاب النيل؛ وهي مدينة الإسكندرية نفسها، التي كانت أعظم المدائن اليونانية، أخذت في القرن الثاني بعد الميلاد تصطبغ بصبغة الحواضر الشرقية في أخلاق أهلها ولُغاتهم وفي جوّها الشرقي. وكان يسكن عاصمة مصر ٨٠٠. ٠٠٠ من جميع سكان البلاد البالغ عددهم ٨. ٥٠٠. ٠٠٠ (٥)(وكان عدد سكانها في عام ١٩٣٠ نحو ٥٧٣. ٠٠٠)، ولم يكن يزيد عليها في عدد السكان سوى روما نفسها. أما من حيث الصناعة والتجارة فقد كانت أولى المُدن في الإمبراطوريّة. وقد ورد في خطاب يُعزى إلى هدريان- وإن كنا نشك في صحة نسبته إليه- أن كل شخص في الإسكندرية يعمل، وأن لكل إنسان فيها حرمة، وحتى العرج والعمى يجدون لهم عملاً فيها (٦). وكان من بين مئات الصناعات القائمة في المدينة صناعة الزجاج، والورق، ونسج الكتان. وكانت هذه المصنوعات موفورة الإنتاج، وكانت الإسكندرية مركز صناعة الكساء والأزياء العصرية المستحدثة في ذلك الوقت، فكانت