للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكتان، وأنها هي التي أحسنت صنع الملابس والحلي والأثاث والمساكن، وأصلحت أحوال المجتمع وشئون الحياة؛ وأن المصريين أول من أقام حكومة منظمة نشرت لواء السلام والأمن في البلاد، وأنهم أول من أنشأ نظام البريد والتعداد والتعليم الابتدائي والثانوي؛ بل إنهم هم أول من أوجد نظام التعليم الفني لإعداد الموظفين ورجال الإدارة.

وهم الذين ارتقوا بالكتابة، ونهضوا بالآداب والعلوم والطب؛ والمصريون على ما نعرف أول من وضع دستوراً واضحاً للضمير الفردي، والضمير العام، وهم أول من نادى بالعدالة الاجتماعية، وبالاقتصار على زوجة واحدة، وأول من دعا إلى التوحيد في الدين، وأول من كتب في الفلسفة، وأول من نهض بفن العمارة والنحت، وارتقى بالفنون الصغرى إلى درجة من الإتقان والقوة لم يصل إليها (على ما نعرف) أحد من قبلهم، وقلما باراهم فيها من جاء بعدهم. وهذا الفضل كله لم يذهب هباء حتى في الوقت الذي كان خير ما فيه مطموراً تحت رمال الصحراء أو ملقى على الأرض بفعل الاضطرابات الأرضية (١)، فقد انتقلت الحضارة المصرية على أيدي الفينيقيين والسوريين واليهود وأهل كريت واليونان والرومان، حتى أضحت من التراث الثقافي للجنس البشري. وإن ما قامت به مصر من الأعمال في فجر التاريخ لا تزال آثاره أو ذكرياته مخلدة عند كل أمة وفي كل جيل، "ولعل مصر" كما يقول فور "بفضل تماسكها ووحدتها، وتنوع منتجاتها الفنية تنوعا أساسه دقة التنسيق والتنظيم، وبفضل ما بذلت من جهود جبارة دامت أطول العهود، لعل مصر بهذا كله تعرض على العالم أعظم ما ظهر على الأرض من حضارات إلى يومنا هذا" (٢٧٧). وإن من الخير لنا أن نعمل نحن لكي نبلغ ما بلغت.


(١) لقد دمر طيبة عن آخرها زلزال حدث في عام ٢٧ ب. م.