الحياة في المدينة بأنها (قصف دائم … للراقصات، والمصفرين، والقتلة" (٨). وكانت القنوات غاصة على الدوام بمحبي المرح والطرب، يستقلون القوارب الصغيرة أثناء الليل، يقطعون فيها مسافة الأميال الخمسة التي توصلهم إلى كنوبس Canopus ضاحيتها المليئة بالملاهي وأسباب التسلية. وكانت تقام فيها مباريات موسيقية لا تقل عن سباق الخيل إثارة للمشاعر والتصفيق والضجيج.
وإذا جاز لنا أن نصدق فيلو (٩) فيما يقوله عن سكان المدينة، فقد كان أربعون في المائة منهم من اليهود، وكانت كثرة يهود الإسكندرية تعمل في الصناعة والتجارة، وتعيش في فقر مدقع (١٠)، وكان كثيرون منهم تجاراً، وعدد قليل منهم مرابين، وبلغ بعضهم من الثراء درجة استطاعوا بها أن يحصلوا على مناصب يُحسدون عليها في الحكومة؛ وبعد أن كانوا في أول الأمر لا يشغلون إلا خُمس مساحة المدينة أصبحوا في الوقت الذي نتحدّث عنه يُشغلون خمسيها. وكانوا يحاكمون بمقتضى قوانينهم الخاصة على أيدي كبرائهم، وأيدت روما الامتيازات التي منحها إياهم البطالمة والتي يحق لهم بمقتضاها أن يتجاهلوا أي قانون يتعارض مع أوامر دينهم. وكانوا يفخرون بكنيسهم المركزي الفخم وهو باسقاً ذات عُمَد، بلغ من الاتساع حداً كان لابد معه من استخدام نظام للإشارات يضمن بها استجابة المصلين الذين لا يستطيعون- لبعدهم عن المحراب- أن يسمعوا صوت الحاخام (١١). ويُستفاد من أقوال يوسفوس أن الحياة الأخلاقية ليهود الإسكندرية كانت مضرب المثل في الاستقامة إذا قيست إلى حياة السكان "الوثنيين" الشهوانية الطليقة (١٢). وكانت لهم ثقافة ذهنية نشيطة، كما كان لهم حظ كبير من الدراسات الفلسفية والتاريخية والعلمية في ذلك الوقت. وكانت المدينة تضطرب من حين إلى حين بالعداء العصري؛ وشاهد ذلك أننا نجد في النُبذة التي كتبها يوسفوس ضد أبيوق (وهو زعيم معادٍ للساميّة) جميع الأسباب، والحجج، والخرافات التي تعكّر العلاقات بين اليهود وغيرهم من أصحاب الأديان الأخرى في