للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تلك العبارات الواردة في سِفْر الأمثال (٨: ٢٢) وما بعدها، والتي تقول فيها الحكمة، "الرب قناني أول طريقه من قبل أعماله منذ القدم. منذ الأزل مُسِحَت منذ البدء، منذ أوائل الأرض. إذ لم يكن غمر أبدئت إذ لم تكن ينابيع كثيرة المياه. من قبل أن تقررت الجبال قبل التلال أبدئت إذا لم يكن قد صنع الأرض بعد".

وكان فيلو معاصراً للمسيح ويلوح أنه لم يسمع قط عنه، ولكنه قد أسهم على غير علم منه في تكوين اللاهوت المسيحي. ولم يكن أحبار اليهود راضين عن تفسيراته المجازية للكتاب المقدّس، لظنهم أن هذه التفسيرات قد تُتّخذ حجة لنبذ الطاعة الحرفية للشريعة اليهودية؛ وكانوا يرتابون في عقيدة الكلمة ويعدّونها ارتداداً عن عقيدة التوحيد، كما كانوا يرون في هيام فيلو بالفلسفة اليونانية نذيراً بضياع ثقافتهم، وفقدان الجزء الأكبر من خصائصهم العنصرية، وما ينشأ عن هذا وذاك من اختفاء اليهود المشتتين في بقاع الأرض. ولكن آباء الكنيسة المسيحية كانوا يعجبون بورع هذا الرجل اليهودي المنبعث عن تفكير عميق، وكثيراً ما كانوا يلجئون إلى آرائه وتعبيراته المجازية ليردّوا بها على من يتصدّون لنقد التوراة العبرية، وانضموا إلى جماعة العارفين (١)، ورجال الأفلاطونية الحديثة في القول بأن رؤيا الله الصوفية هي أسمى ما تصل إليه المحاولات البشرية. ولقد حاول فيلو أن يوفق بين اليهودية والفلسفة الهلينية؛ فأما من وجهة النظر اليهودية فقد أخفق في مسعاه وأما من وجهة النظر التاريخية فقد أفلح، وكانت ثمرة فلاحه هي الإصحاح الأول من إنجيل يوحنا.


(١) هُم طائفة من المسيحيين يعتقدون بأن الخلاص يكون عن طريق المعرفة لا عن طريق الإيمان. (المترجم)