المعلومات الفلكية المعروفة في ذلك العصر تحديد مواضع النجوم والكواكب تحديداً أدق مما كانت تستطيعه النظرية القائلة بأن الشمس هي مركز العالم (٢٠). وعرض بطليموس فوق هذا لنظرية (الانحرافات) ليفسر بها أفلاك الكواكب، واستطاع أن يكشف انحراف فلك القمر. وقاس بُعد القمر عن الأرض بطريقة الزيغان (١) التي لا تزال مستخدمة إلى يومنا هذا، وقدّر هذا البعد بما يعادل نصف قطر الأرض تسعاً وخمسين مرة، وهو يعادل تقديرنا الحاضر بوجه التقريب؛ وإن كان بطليموس قد اتبع بسيدونيوس في تقدير طول قطر الأرض بأقل من طوله الحقيقي.
وقد لخّص بطليموس في كتابه الموجز الجغرافي جميع ما كان يعرفه الأقدمون عن سطح الأرض، كما لخّص في نظامه الرياضي ما كانوا يعرفونه في الفلك وصاغه في صيغته الأخيرة. وهنا أيضاً أخطأ أخطاء جسيمة في أزياجه التي بذل فيها جهداً كبيراً والتي حدد فيها خطوط الطول ودوائر العرض لكبريات المُدن على سطح الأرض، وكان سبب هذا الخطأ قبوله تقدير بسيدونيوس حجم الأرض بأقل من حقيقته. ولكن هذه الغلطة المشجعة التي نقلها عنه بطليموس هي التي يرجع إليها الفضل في اعتقاد كولمبس أن من المستطاع الوصول إلى جزائر الهند في وقت قصير بالسير في اتجاه الغرب (٢١). وكان بطليموس أول من استعمل لفظي "متوازيات" (Parallela) و "خطوط الزوال" meridians في علم الجغرافية، وقد نجح في أن يصوّر على خرائطه جسماً كروياً على سطح مسوٍ. ولكنه كان في الواقع عالماً رياضياً أكثر منه فلكياً أو جغرافياً؛ وكان أهم جزء من عمله هو صياغته القوانين الرياضية. وقد وضع في كتاب النظام زيجاً دقيقاً
(١) Parallax ويسميها إسماعيل الفلكي اختلاف المنظر وهو الانتقال الظاهر للكوكب إذا تغيّر موضع الناظر إليه على سطح الأرض. (المترجم)