الهمجي، وصدّق خرافات أهل زمانه. ولم يكن يحمي نفسه من روما بما كان خليقاً أن يقوم به القائد أو السياسي العظيم من حركات صادرة عن نفاذ البصيرة وبعد النظر، بل كان يحميها بالشجاعة الارتجالية التي يعمد إليها الحيوان إذا وقع في المحظور.
ومثل هذا الرجل لا يمكن أن يقنع بالمملكة الصغيرة التي خلفتها له أمه. ولهذا فتح أرمينية وبلاد القوقاز مستعيناً على ذلك بضباط وجنود مرتزقين من اليونان، ثم عبر نهر قوبان ومضيق كرتش إلى بلاد القرم وأخضع لحكمه جميع المُدن اليونانية القائمة على سواحل البحر الأسود الشرقية، والشمالية، والغربية. وإذا كان انهيار قوّة اليونان العسكرية قد ترك هذه الجماعات وهي تكاد تكون عاجزة كل العجز عن حماية نفسها من البرابرة الذين يجاورونها من خلفها، فإنها قد استقبلت جيوش مثرداتس اليونانية استقبال الحُماة المنقذين. وكانت من المُدن التي خضعت له سينوب، وطربزون، وبنتيكبيم Panticapeum (كرتش)، وبيزنطية. ولكن سيطرت بيثينيا على الهلسينت (الدردنيل) تركت تجارة بنتس في البحر الأبيض المتوسط تحت رحمة الملوك المعادين لها. فلما مات نيقوميدس الثاني ملك بيثينيا (٩٤ ق. م) تنازع ولداه العرش، واستغاث الثاني وهو سقراط بملك بنتس. وانتهز مثرداتس فرصة النزاع الحزبي في إيطاليا فغزا بيثنيا لكي يجلس سقراط على العرش. ولم تشأ روما أن ترى البسفور في أيدي أعدائها فأمرت مثرداتس وسقراط أن يخرجا من بيثينيا. وصَدَع مثرداتس بالأمر أما سقراط فرفضه، فلم يكن من حاكم آسية الروماني إلا أن خلعه وتوّج نيقوميدس الثالث. وغزا الحاكم الروماني الجديد بنتس وشجّعه على ذلك منيوس أكوليوس Manius Aquiius الحاكم الروماني، وبدأت بذلك الحرب المثرداتية الأولى (٨٨ - ٨٤ ق. م).