الحكم الروماني كانت لها اليد الطولى في هذه المذابح الجنونية، وما من شك أيضاً في أن طبقات الملاّك التي ظلت زمناً طويلاً تتمتع بحماية الرومان لها قد استولى عليها الرعب حين أبصرت هذا الانتقام الرهيب. وأراد مثرداتس أن يهدّئ ثائرة الطبقات الغنية بإعفاء المُدن اليونانية من الضرائب مدة خمس سنين ويمنحها الاستقلال الذاتي التام، لكنه "أعلن" في الوقت نفسه، كما يقول أبيان "إلغاء الديون، وحرر العبيد، وصادر كثيراً من الضياع، وأعاد توزيع الأراضي الزراعية على السكان" ودبر زعماء العشائر مؤامرة لإغتياله، فما كشف سرّها أمر بقتل ألف وستمائة من هؤلاء الزعماء. واستولت الطبقات الدنيا يساعدها الفلاسفة وأساتذة الجامعات (٧١) على زمام السلطة في كثير من المُدن اليونانية، ومنها أثينة وإسبارطة نفسهما، وأعلنت الحرب على روما وعلى الطبقات الغنية معاً، وقتل يونان ديلوس في نشوة الحرية عشرين ألف إيطالي في يوم واحد. واستولى أسطول مثرداتس على جزائر سكلديز كما استولى جيشه على عوبية، وتساليا، ومقدونية، وتراقية. وكان خروج "آسية" الغنية عن سيطرة الرومان سبباً في وقف الخراج الذي كان يُرسل منها إلى الخزانة الرومانية، وفوائد الأموال التي كان يحصل عليها المستثمرون الرومان، فانتابت إيطاليا أزمة مالية كانت ذات أثر في الحركة الثورية التي قام بها سترنينس Satrurninus وسنا Cinua وانقسمت إيطاليا على نفسها لأن السمنينين واللوكانيين عرضوا على ملك بنتس أن يعقدوا معه حلفاً.
ورأى مجلس الشيوخ الروماني الحرب والثورة تواجهانه في كل مكان، فباع ما تجمع في الهياكل الرومانية من الذهب والفضة ليموّل بها جيوش صلا. ولسنا نرى من واجبنا أن نعيد هنا كيف استولى صلا على أثينة، وهزم جيوش الثوّار، وأنقذ الإمبراطوريّة لروما، وعقد مع مثرداتس صلحاً قوامه اللين انسحب الملك على أثره إلى عاصمة بنتس، يجهّز في هدوء جيشاً وأسطولاً جديدين،