الأساس الزراعي للحضارة قد انهار. ووقف مرة في أولمبيا ليخطب في جمع كبير من الذين يريدون الحياة الدنيا وزينتها، وأخذ يصف أهل ذلك العصر من الأبيقوريين والملحدين. وكان مما قاله في هذه الخطبة، إن الصورة التي لدى الناس عن الإله قد تكون باطلة سخيفة، ولكن الرجل العاقل يدرك أن العقل الساذج يحتاج إلى أفكار ساذجة ورموز تصويرية. والحق أن أحداً من الناس لا يستطيع أن يدرك صورة الكاهن الأعلى، وحتى التمثال الجليل الذي نحته فدياس نفسه لم يكن إلا فرضاً مجسّداً لا يليق بمقامه كما لا يليق به تصويره نجماً أو شجرة. ونحن وإن كنا لا نعرف حقيقة الله، ندرك بفطرتنا أنه موجود، ونشعر أن الفلسفة بغير الدين شيء مظلم لا يرجى منه خير، وأن الحرية الحقة الوحيدة هي الحكمة- أي أن يعرف الإنسان ما هو حق وما هو باطل؛ وأن سبيل الحرية ليست هي السياسة أو الثورة، بل أن سبيلها هي الفلسفة، وليست الفلسفة الحقة هي الأفكار التي في بطون الكتب، بل هي إتباع طريق الشرف والفضيلة كما ينادي بها من داخلنا صوت هو كما يقول المتصوّفة كلمة الله مستكنة في قلب الإنسان (٨١).