باله إلى كلماتي الخطيرة! ولعل أثرى هذا يكون هادياً له في قضيته، ولعله يفهم منه حالته! ولعله يريح قلبه (فينادي): "حقا إن حمورابي حاكم كالوالد الحق لشعبه … لقد جاء بالرخاء إلى شعبه مدى الدهر كله، وأقام في الأرض حكومة طاهرة صالحة (١) …
ولعل الملك الذي يكون في الأرض فيما بعد وفي المستقبل يرعى ألفاظ العدالة التي نقشتها على أثرى"! (٨).
ولم يكن هذا التشريع الجامع إلا عملاً واحداً من أعمال حمورابي الكثيرة. فلقد أمر بحفر قناة كبيرة بين كش والخليج الفارسي أروَت مساحات واسعة من الأراضي، ووَقَتْ المدن الجنوبية ما كان ينتابها بسبب فيضانات نهر دجلة المخربة. ولقد وصل إلينا من عهده نقش آخر يفخر فيه بأنه أجرى في البلاد الماء (تلك المادة القيمة التي لا نقدرها اليوم والتي كانت في الأيام الماضية إحدى مواد الترف)، ونشر الأمن والحكم الصالح بين كثير من القبائل. وأنا لنستمع من ثنايا هذا النقش ومن بين عبارات الفخر (وهو خلة شريفة من خلال الشرقيين) صوت الحاكم الماهر والسياسي القدير.
"لما وهب لي أنو ونليل (إلها أرك ونبور) بلاد سومر وأكد لأحكمها، ووضعا في يدي هذا الصولجان، حفرت قناة حمورابي- نخوش- ميشى (حمورابي المفيض- على- الشعب) التي تحمل الماء الغزير لأرض سومر وأكد. وحولت شاطئيها الممتدين على كلا الجانبين إلى أراضي زراعية؛ وجمعت أكداسا من الحب، وسيرت الماء الذي لا ينضب إلى الأرضين، وجمعت الأهلين المشتتين، وهيأت لهم المرعى والماء وأمددتهم بالمراعي الموفورة وأسكنتهم مساكن آمنة (٩).
(١) يبدو أن "شرائع موسى" تستمد من هذه الشرائع أو تستمد هذه وتلك من مصدر مشترك. وترجع عادة بصم العقد القانوني بخاتم رسمي إلى زمن حمورابي.