وكان أعضاؤه وطنيين في مبادئهم السياسية، مستمسكين بدينهم، ينادون بفرض التوراة أو الشريعة المكتوبة على الأمّة اليهودية، ولكنهم كانوا يرفضون ما عدا هذا من العقائد أمثال الأحاديث والقصص الشفوية التي يتناقلها رجال الدين، والتفاسير الطليقة التي يقول بها الفريسيون. وكانوا يرتابون في خلود الروح، ويقنعون بامتلاك طيبات هذا العالم.
وكان الصدوقيون هم الذين سموا الفريسيين بهذا الاسم (البروشم أي الانفصاليين)، ويقصدون بهذه التسمية أنهم قد فصلوا أنفسهم (كما انفصل البراهمة الصالحون) عن الذين تدنسوا بإهمال ما تفرضه عليهم طقوس التطهير (٢٥) وكانوا هم حلفاء الكسديم أو نسّاك العصر المكابي الذين كانوا ينادون بوجوب التزام قواعد الشريعة الموسوية إلى أبعد الحدود. وقد عرّفهم يوسفوس، وهو منهم، بأنهم "شيعة من اليهود يجهرون بأنهم أكثر استمساكاً بالدين من سائر أبناء ملّتهم، وبأنهم أدق من غيرهم في تفسير شرائعهم"(٢٦). ولكي يصلوا إلى ما يبغونه من هذا التفسير الدقيق أضافوا إلى أسفار موسى الخمسة المكتوبة الأحاديث والروايات الشفوية المشتملة على التفسيرات والأحكام التي وردت على ألسنة معلمي الشريعة المعترف بهم. ويرى الفريسيون أن هذه التفاسير ضرورية لإزالة ما في قوانين موسى من غموض، ولبيان طريقة تطبيقها على الحالات الفردية، ولتعديل حرفيتها في بعض الأحيان حسب ضروريات الحياة وظروفها الدائمة التغير.
وقد جمع هؤلاء الناس بين الصرامة واللين، فكانوا يخففون من صرامة الشريعة في بعض المواضع كما فعلوا في أوامر هلل الخاصة بالربا، ولكنهم كانوا يحتّمون على الناس أن يتقيّدوا بالروايات الشفوية كما يتقيّدون بالتوراة المنزّلة نفسها. ذلك أنهم كانوا يحسون بأن لا نجاة لليهود من انقراضهم وامتصاص الشعوب الأخرى لهم إلا بإطاعة هذه الأوامر المطوّرة والمتواترة. وإذ كان