للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ترضية الأباطرة بأن كانوا يضحون ليهوه باسم الإمبراطور، ولكنهم كانوا ينفرون أشد النفور من وضع تمثال منحوت لرجل وثني في هيكلهم، وبلغ هذا النفور درجة دفعت آلافاً منهم - على حد قول الرواية المأثورة- إلى أن يذهبوا إلى حاكم سوريا ويطلبوا إليه أن يذبحهم وإن لم يرتكبوا ذنباً قبل أن ينفذ هذا المرسوم (٤٩). وحل كلجيولا هذا المشكل بموته. وأقنع أجربا حفيد هيرودس الإمبراطور كلوديوس فعينه ملكاً على فلسطين كلها تقريباً (٤١)؛ فلما مات أجربا انطلقت الفتنة مرة أخرى من عقالها، وأعاد كلوديوس البلاد إلى ما كانت عليه في عهد أغسطس وعين عليها حاكماً من قبل رومة (٤٤).

وكان معظم الرجال الذين اختارهم معاتيقه ليشغلوا هذا المنصب عاجزين أو سفلة. ومن هؤلاء فليكس الذي عينه أخوه بلاس Pallas والذي "حكم بلاد اليهود" - كما يقول تاستس - "بقوة الملك وروح الرقيق" (٥٠). وكان فستس Festus أعدل من فليكس، ولكنه توفي أثناء هذه المحاولة. وجد ألبينس Albinus - إذا جاز لنا أن نصدق يوسفوس - في النهب وفرض الضرائب، وجمع ثروة طائلة بإطلاق المجرمين من السجون نظير أجر يتقاضاه منهم حتى "لم يبقَ أحد في السجن إلا من لم يتقاضَ منه شيئاً" (٥١). وسلك فلورس Florus - كما يقول هذا الكتاب صديق الرومان المعجب بهم - مسلك "الجلاّد لا مسلك الحاكم" فنهب مُدناً بأكملها، ولم يكتفِ بأن يسرق هو نفسه، بل تغاضى عن سرقات غيره إذا نال سهماً من الغنيمة. بيد أن هذه الأقوال يُشتَم منها رائحى العداوة الحزبية؛ وما من شك في أن الحكام هُم الآخرون كانوا يشكون من أن اليهود شعب مشاكس ليس من السهل إخضاعه.

وتألفت عصابات من "المتحمسين" و "الفدائيين" ليحتجوا على هذا الفساد. وأقسم أعضاؤها أن يغتالوا كل يهودي خائن، فكانوا يندسون وسط الجماعات في الشوارع ويطعنون ضحاياهم من خلفهم، ثم يختفون