جثث الأطفال وبينها جثث النساء عارية من كل غطاء" (٥٦). وقبل أن يحل شهر سبتمبر من عام ٦٦ كان الثوار قد استولوا على أورشليم وعلى فلسطين كلها تقريباً؛ وخذل حزب السلم وفقد أنصاره، وانضم معظم أعضائه إلى الثوار.
وكان من بين هؤلاء كاهن يدعى يوسفوس، وكان وقتئذ شاباً في الثلاثين من عمره، ونشيطاً، نابهاً، وُهِبَ من الذكاء ما يستطيع به أن يحيل كل شهوة من شهواته فضيلة. وكلّفه الثوار بتحصين الجليل، فدافع عن حصنها جوتوباتا ضد قوات فسبازيان المحاصرة لها، حتى لم يبق من حاميتها اليهودية على قيد الحياة غير أربعين جندياً اختبئوا معه في كهف من الكهوف. وأراد يوسفوس أن يسلم لجنود فسبازيان، ولكن رجاله أنذروه بالقتل إن حاول التسليم. وإذ كانوا يفضلون الموت على الأسر، فقد أقنعهم بأن يحددوا بطريق القرعة الترتيب الذي يقتل به كل منهم على يد من يليه. ولما ماتوا جميعاً ولم يبق إلا هو وواحد منهم أقنعه بأن ينضم إليه في الاستسلام للعدو. وقبيل أن يرسلا إلى روما مكبلين بالأغلال تنبأ يوسفوس أن فسبازيان سيصبح إمبراطوراً فأطلقه فسبازيان من الأسر، وقرّبه إليه شيئاً فشيئاً وجعله ناصحاً أميناً له في حربه ضد اليهود. ولما سافر فسبازيان إلى الإسكندرية صحب يوسفوس تيتس في حصار أورشليم.
وكان اقتراب الفيالق الرومانية إيذاناً بضم صفوف اليهود وتأليفهم وحدة حانقة متعصبة وإن جاء ذلك بعد فوات الأوان. ويقول تاستس إن ٦٠. ٠٠٠ من الثوار تجمعوا في المدينة، وإن "كل من يستطيع الانخراط في سلك الجندية قد تسلح ونزل إلى الميدان"، وإن الروح العسكرية في النساء لم تكن أقل منها في الرجال (٥٧). ونادا يوسفوس من بين صفوف الرومان أهل المدينة المحاصرين إلى الاستسلام، ولكنهم اتهموه بالخيانة، وحاربوا إلى آخر رجل