ووصفه لهيرودس الأكبر لا يقل امتعاناً عن وصف أفلوطرخس، ولكن تحيزه، والغرض الذي يكتب من أجله يفسدان موضوعية الكتاب. وقد تطلب قدم اليهود عدة سنين وأنهك قوى المؤلف، فلم يستطع أن يتمه، وكتب أمناء سره الكتب الأربعة الأخيرة من العشرين كتاباً التي يتألف منها هذا المجلد الضخم مستعينين على كتابتها بمذكراته (٦٦). ولم يكن يوسفوس قد جاوز الخامسة والستين من عمره حين نشر الكتاب، ولكنه كان قد ضعفت قواه متأثرة بحياة المغامرات، والجدل، والعزلة الأخلاقية.
واستطاع اليهود أن يعيدوا بالتدريج بناء حياتهم الاقتصادية والثقافية في فلسطين. وبينما كان الحصار مضروباً على أورشليم فر من المدينة تلميذ شيخ من تلاميذ هلل يدعى يوهنان بن زكاي لأنه خشي أن يبيد المعلمون كلهم في المذبحة فلا يبقى من ينقذ الأحاديث الشفوية. ولما خرج من المدينة أقام مجمعاً علمياً في كرم عند يبنى أو يمنيا قرب شاطئ البحر الأبيض المتوسط. ولما سقطت أورشليم نظم يوهنان سنهدريناً جديداً في يمنيا، ولم يؤلفه من الكهنة، وسياسيين، والأثرياء، بل ألفه من الفريسيين والأحبار أي معلمي الشريعة. ولم يكن لهذا المجلس المعروف باسم بيت الدين أية سلطة سياسية، ولكن معظم يهود فلسطين كانوا يعترفون بسلطانه في جميع الشئون المتعلقة بالدين والأخلاق. وكان الحاخام الذي يختاره المجلس رئيساً له يعين الموظفين الإداريين المشرفين على الجماعات اليهودية، وكان من حقه أن يخرج من حظيرة الدين مَن لا يرضى عنهم من اليهود. وكان من أثر النظام الصارم الذي فرضه الحاخام جماليل الثاني (حوالي سنة ١٠٠ م) أن توثقت الرابطة بين أعضاء المجلس أولاً، ثم بين يهود يمنيا، ثم بين يهود فلسطين كلها فيما بعد. وحدث في أيامه أن أعيد النظر في التفسيرات المتناقضة للشريعة وهي التفسيرات التي نقلها هلل وشماي، ثم أخذ الرأي عليها، وكانت النتيجة أن قبلت معظم