للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يكونوا كلهم بلهاء. وتنزع الدراسات الحديثة إلى تحديد تاريخ الإنجيل الرابع بأواخر القرن الأول. والراجح أن الروايات المأثورة كانت صادقة إذ تعزو إلى المؤلف نفسه "رسائل يوحنا"، ذلك بأنه تعرض الأفكار نفسها بالأسلوب نفسه.

وملاك القول أن ثمة تناقضاً كثيراً بين بعض الأناجيل والبعض الآخر، وأن فيها نقطاً تاريخية مشكوكاً في صحتها، وكثيراً من القصص الباعثة على الريبة والشبيهة بما يروى عن آلهة الوثنيين، وكثيراً من الحوادث التي يبدو أنها وضعت عن قصد لإثبات وقوع النبوءات الواردة في العهد القديم، وفقرات كثيرة ربما كان المقصود منها تقدير أساس تاريخي لعقيدة متأخرة من عقائد الكنيسة أو طقس من طقوسها. لقد كان المبشرون بالإنجيل يرون كما يرى شيشرون وسالست، وتاستس أن التاريخ وسيلة لنشر المبادئ الخلقية السامية، ويبدو أن ما تنقله الأناجيل من أحاديث وخطب قد تعرضت لما تتعرض له ذاكرة الأميين من ضعف وعيوب، ولما يرتكبه النساخ من أخطاء أو "تصحيح".

فإذا سلمنا بهذا كله بقي الشيء الكثير إن ما في الأناجيل من تناقض لا يتعدى التفاصيل الجزئية إلى الحقائق العامة، وإن الأناجيل الثلاثة الأولى لتتفق اتفاقاً عجيباً، وتعرض في مجموعها صورة منسقة للمسيح. ولقد دفعت حماسة الكشف كبار الناقدين إلى أن يقيسوا صحة أحوال العهد الجديد بمقاييس لو طبقت على مئات من العظماء الأقدمين أمثال حمورابي، وداود، سقراط- لزالوا كلهم من عالم الحقائق وهووا إلى عالم الخرافات (١). وإن المبشرين بالإنجيل، رغم ما يتصفون به من تحيز وميل مع الهوى ومن الأخذ بأفكار دينية سابقة، ليسجلون كثيراً من الحادثات التي يعمد المخترعون الملفقون إلى إخفائها- كتنافس الرسل على المنازل العليا في ملكوت الله، وفرارهم بعد القبض على


(١) يقول أحد كبار علماء اليهود فالة لعلها أقوى مما ينبغي: "لو كانت لنا في تاريخ الاسكندر أو قيصر مصادر كالتي نجدها في الأناجيل لما خالجنا أقل الشك في أمرهما" -ج- كلوزنز J. Klausner في كتابه "من يسوع إلى بولص" ص ٢٦٠.