العهد القديم تحققت على يدي المسيح. بيد أنه رغم هذا أشد الأناجيل الأربعة تأثيراً إلى النفس وإثارة إلى العاطفة. ولا يسعنا إلا أن نعده بين روائع الآداب العالمية، وإن لم يدرك ذلك كاتبه القديم.
والإنجيل حسب نص القدّيس لوقا، وهو النص الذي يعزى عادة إلى العقد الأخير من القرن الأول، يعلن أنه يرغب في تنسيق الروايات السابقة عن المسيح، والتوفيق بينها، وأنه يهدف إلى هداية كفرة لا اليهود. وأكبر الظن أن لوقا نفسه كان من غير اليهود، وأنه كان صديق بولص، ومؤلف سفر أعمال الرسل (٢١). وهو يقتبس كثيراً من كتابات مرقس كما يقتبس منها متّى (٢٢)، فإنك لتجد في إنجيل متّى ستمائة آية من الستمائة والإحدى والستين التي يشتمل عليها النص المعتمد لإنجيل مرقس، ونجد منها ثلاثمائة وخمسين في إنجيل لوقا تكاد أن تكون هي بنصها (٢٣). وفي إنجيل متّى كثير من الفقرات التي توجد في لوقا ولا توجد في إنجيل مرقس، وهنا أيضاً تكاد تكون هي بنصها، ويبدو أن لوقا أخذ هذه عن متّى أو أن لوقا ومتّى أخذاها عن أصل مشترك، لم نعثر عليه بعد. ويصقل لوقا هذه المقتبسات الصريحة بمهارة أدبية تحمل لينان على الظن بأن هذا الإنجيل أجمل ما ألف من الكتب.
ولا يدعى الإنجيل الرابع أنه ترجمة ليسوع، بل هو عرض للمسيح من وجهة النظر اللاهوتية بوصفه كلمة الله، وخالق العالم، ومنقذ البشرية وهو يناقض الأناجيل الأخرى في كثير من التفاصيل وفي الصورة العامة التي يرسمها للمسيح (٢٥). وإن ما يصطبغ به الكتاب من نزعة قريبة من نزعة القائلين بأن الخلاص لا يكون بالإيمان بل بالمعرفة، وما فيه من تأكيد لآراء الميتافيزيقية، قد جعلا الكثيرين من الباحثين في الدين المسيحي يشكون في صدق القول بأن واضعه هو الرسول يوحنا (٢٦). بيد أن التجارب توحي إلينا بأن لا نعجل في تكذيب الروايات القديمة؛ ذلك بأن أسلافنا لم