للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ترى هل كانت هذه المبادئ الأخلاقية جديدة؟ ليس ثمة شيء جديد إلا الترتيل، وإن الفكرة الرئيسية التي تدور حولها عِضات المسيح- فكرة يوم الحساب وملكوت الله- لهي من الأفكار التي وجدت عند اليهود قبل ذلك الوقت بمائة عام. ولقد نادت الشريعة بأخوة البشر قبل ذلك بزمن طويل، فقد جاء في سفر اللاويين: "تحب قريبك كنفسك" و "كالوطني منكم يكون لكم الغريب النازل عندكم وتحبه كنفسك" (٩٠). وكان اليهود قد أمروا في سفر الخروج أن يحسنوا لأعدائهم (٩١)، وكان إرميا (٩٢) وإشعيا (٩٣)، قد أشارا عليهم أن يديروا خدهم لمن يلطمهم. وكان الأنبياء أيضاً قد جعلوا الحياة الصالحة أعلى درجة من العداوة أياً كان نوعها، وكان إشعيا (٩٤) وهوشع (٩٥)، قد شرعا يبدلان يهوه من رب الجنود إلى إله الحب، وكان هلل قد صاغ القاعدة الذهبية كما صاغها كنفوشيوس؛ وليس من حقنا أن نأخذ على يسوع أنه ورث المبادئ الأخلاقية التي كانت سائدة بين شعبه، وأفاد من تلك المبادئ.

وقد ظل المسيح زمناً طويلاً لا يرى في نفسه إلا أنه أحد اليهود، يؤمن بأفكار الأنبياء، ويواصل عملهم، ويجري على سنتهم، فلا يخطب إلا في اليهود، ولما أرسل أتباعه لينشروا إنجيله لم يرسلهم إلا لمدن اليهود: "إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة السامرين لا تدخلوا" (٩٦)؛ ومن ثم كان تردد الرسل بعد موته في أن يحملوا "الأنباء الطيبة" إلى عالم "الكفرة" (٩٧)؛ ولما إلتقى بالسامرية عند البئر قال لها "الخلاص لهو من اليهود" (٩٨)؛ وإن لم يكن من حقنا أن نحكم عليه من أقوال لعلها قد تقولها عليه إنسان لم يكن حاضراً معه، أو كتبها بعد ستين عاماً من الحادثة التي قيلت فيها. ولما طلبت إليه إمرأة كنعانية أن يشفي غبنتها أبى في أول الأمر وقال: "لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالّة" (٩٩). وقال للأبرص الذي شفاه من علّته "اذهب أرِ نفسك للكاهن وقدّم القربان الذي أمر به موسى" (١٠٠): "على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون،