وقد أوجسوا في نفوسهم خيفة من وعد المسيح بتدمير الهيكل، ولم يكونوا واثقين من أن هذا التدمير إنما هو تدمير مجازي لا يقصد به حرفيته. أما المسيح نفسه فقد ندد بهم تنديداً شديداً.
"الكتبة الفريسيون … يحزمون أحمالاً ثقيلة سرة الحمل ويضعونها على أكتاف الناس، وهم لا يريدون أن يحركوها بإصبعهم. وكل أعمالهم يعملونها لكي تنضرهم الناس، فيعرضون عصائبهم ويعظمون أهداب ثيابهم، ويحبون المتكأ الأول في الولائم والمجالس الأولى في المجامع: لكن ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون .. أيها القادة العميان .. أيها الجهال والعميان! .. تركتم أثقل الناموس- الحق والرحم والإيمان … تنقون خارج الكأس والصحفة، وهما من داخل مملوءان اختطافاً ودعارة … ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تشبهون قبوراً مبيضة! … تظهرون للناس أبراراً ولكنكم من داخل مشحونون رياء ونفاق … إنكم أبناء قتلة الأنبياء، فإملأوا أنتم مكيال آبائكم! أيها الحيّات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم؟ … إن العشارين والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله"(١٠٩).
ترى هل كان يوحنا عادلاً في حكمه على الفريسيين؟ أكبر الظن أنه كان من بينهم مَن يستحقون هذا التقريع، وأن منهم كثيرين كانوا يفعلون ما فعله المسيحيون بعد بضعة قرون من ذلك الوقت فيستبدلون بطهارة النفس مظاهر التقى الخارجية. غير أنه كان من بين الفريسيين كثيرون يرون أن الشريعة يجب أن تخفف وأن تكون أكثر إنسانية مما هي (١١٠). ولعل عدداً كبيراً من هذه الطائفة كانوا رجالاً مخلصين وأشرافاً ظرفاء إلى حد كبير؛ يشعرون بأن القواعد الشكلية التي أغفلها يسوع يجب ألا يُحكم عليها مستقلة عن غيرها من القواعد، بل يجب أن تؤخذ على أنها جزء من الشرائع التي ساعدت على جمع كلمة اليهود، بعثت فيهم العزة والأدب وسط عالم يبغضهم ويعاديهم. وكان بعض