الفريسيين يعطفون على عيسى، وقد جاءوه ليحذروه من المؤامرات التي كانت تدبر لاغتياله (١١١)، ولقد كان نقوميدس Nicomedus أحد المدافعين عنه من أغنياء الفريسيين.
وحلّت القطيعة الأخيرة بين عيسى وبينهم حين بدأ يعتقد أنه هو المسيح المنتظر، ويُعلن هذا في صراحة ووضوح. لقد كان أتباعه ينظرون إليه في أول الأمر على أنه خليفة يوحنا المعمدان، ثم أخذوا يعتقدون شيئاً فشيئاً أنه هو المنقذ الذي سيرفع نير الرومان عن إسرائيل، ويبسط حكم الله على الأرض. ولما أن سألوه "قائلين يا رب هل في هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل؟ (١١٢) لم يجبهم إلا بقوله "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الرب في سلطانه" وأجاب جواباً شبيهاً بهذا الجواب في غموضه حين سأله رسل من عند المعمدان هل هو المسيح المنتظر؟ وأراد أن يخرج من عقول أتباعه فكرة أنه مسيح سياسي فأنكر كل إدعاء بأنه من نسل داود (١١٣). ولكن يلوح أن ترقب أتباعه وآمالهم القوية، وما تبينه من قواه النفسية غير العادية قد أقنعاه تدريجاً بأنه رسول من عند الله جاء ليعد الناس لحكم الله في الأرض لا ليعيد سيادة اليهودية. ولم يقل (في الأناجيل الثلاثة المتشابهة: متّى، ومرقس: ولوقا) إنه هو الأب إله واحد أو يسوي نفسه به؛ فقد سأل أتباعه "لماذا تدعوني صالحاً؟ ليس أحد صالحاً إلا واحداً هو الله" (١١٤) وقال وهو يصلي في جتسماني: "ليكن لا كما أريد أنا، بل كما تريد أنت" (١١٥). وقد أخذ لفظ "إبن الأنسان" الذي جعله دانيال مرادفاً للفظ المسيح، واستعمله في بادئ الأمر دون أن يقصد به نفسه في وضوح ثم انتهى آخر الأمر بإطلاق هذا اللفظ على نفسه في مثل قوله: "فإن إبن الإنسان هو رب السبت أيضاً" (١١٧) - وهي عبارة رآها الفريسيون تجديفاً في حق الله. وكان يدعو الله باسم "الأب" دون أن يقصد بهذا في بعض الأحيان أباه هو نفسه، بيد أنه أحيانا أخرى يقول: "أبي". ويبدو أنه يقصد بهذا