للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واستمعوا إليه وهم صابرون ولكنهم لما رأوا أنه لا يعتقد بأن مراعاة الناموس اليهودي ضرورية للنجاة، تولوا عنه، فقد كان يبدو لهم أن الناموس هو عماد الحياة اليهودية وسلواها اللذان لا غنى لها عنهما. وناداهم بولس قائلاً: "فليكن معلوماً عندكم أن خلاص الله قد أرسل إلى الأمم وهم سيسمعون! " (٤٢) وغضبت الجالية المسيحية التي وجدها في روما من موقفه هذا كما غضب منه اليهود ذلك أن هؤلاء الأخوان وجلّهم من اليهود كانوا يفضلون المسيحية التي جاءت إليهم من أورشليم، فكانوا يختتنون، وكانت روما لا تكاد تفرق بينهم وبين اليهود الأصليين. ورحب هؤلاء ببطرس ولكنهم قابلوا بولس بفتور؛ واستطاع أن يهدي بعض سكان روما من غير اليهود، ومن بينهم بعض ذوي المناصب الكبرى، ولكنه ضاق ذرعاً بوحدته في سجنه وأحس بوطأة القيود المفروضة عليه.

وكان يجد بعض السلوى فيما يبعث به من رسائل طويلة رقيقة إلى أتباعه البعيدين عنه، وكان قد قضى عشر سنين يكتب مثل هذه الرسائل، وما من شك في أن مجموعها يزيد كثيراً على العشر التي وصلتنا منسوبة إليه (١). ولم يكن يكتبها هو بقلمه، بل كان يمليها، وكثيراً ما يضيف إليها حاشية بخط يده غير الأنيق ويبدو أنه تركها دون أن يراجعها، تركها بكل ما فيها من تكرار وغموض وخطأ نحوي. واكن ما فيها من شعور عميق يفيض بالإخلاص، وغيرة وغضبة قوية للقضية الكبرى التي وهب حياته للدفاع عنها، وكثرة ما فيها من أقول نبيلة رائعة، كل هذا قد جعلها أقوى وأبلغ ما كتب من الرسائل في أدب العالم كله؛ وإن ما في أدب شيشرون من سحر ليبدو ضئيلاً إذا قيس إلى ما فيها من إيمان قوي فياض. فهي تشتمل على ألفاظ حب قوية


(١) وفي وسعنا أن نعد الرسائل الموجهة إلى أهل غلاطية، وكورنثوس، ورومية من رسائله بحق؛ وأن نرجح أن الرسائل الموجهة إلى أهل تسالونيكي وفلبي، وكولوس، وفليمون هي أيضاً له؛ بل إن الرسالة الموجهة إلى أهل أفسوس نفسها قد تكون أيضاً من رسائله.