للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تأثر بنبذ الأفلاطونية والرواقية للمادة والجسم واعتبارهما شراً وخبثاً؛ ولعله تذكر السنة اليهودية والوثنية سنة التضحية الفدائية للتكفير عن خطايا الناس: أما هذه الأسس فأهما أن كل إن أنثى يرث خطيئة آدم، وأن لا شيء ينجيه من العذاب الأبدي إلا موت ابن الله ليكفر بموته عن خطيئته (١). وتلك فكرة كانت أكثر قبولاً لدى الوثنيين منها لدى اليهود، ولقد كانت مصر، وآسية الصغرى، وبلاد اليونان تؤمن بالآلهة من زمن بعيد - تؤمن بأوزريس، وأتيس وديونيشس - التي ماتت لتفتدي بموتها بني الإنسان. وكانت ألقاب مثل سوتر (المنقذ) واليوثريوس Eleutherios (المنجي) تُطلق على هذه الآلهة، وكان لفظ كريوس Kyrios (الرب) الذي سمى به بولس المسيح هو اللفظ الذي تطلقه الطقوس اليونانية - السوريّة على ديونيشس الميت الُمفتدى (٥٢)، ولم يكن في وسع غير اليهود من أهل إنطاكية وسواها من المُدن اليونانية، الذين لم يعرفوا عيسى بجسمه، أن يؤمنوا به إلا كما آمنوا بآلهتهم المنقذين، ولهذا ناداهم بولس بقوله: "هو ذا سر أقوله لكم" (٥٣).

وأضاف بولس إلى هذا اللاهوت الشعبي المؤسى بعض آراء صوفية غامضة كانت قد ذاعت بين الناس بعد انتشار سفر الحكمة، وفلسفة افليمون. من ذلك قول بولس إن المسيح هو "حكمة الله" (٥٤) و "ابن الله الأول بكر كل خليقة،


(١) لقد كان اليهود الأقدمون يشتركون مع الكنعانيين، والمؤابيين والفنيقيين، والقرطاجنيين وغيرهم من الشعوب في عادة التضحية بطفل، بل بطفل محبوب، لاسترضاء السماء الغضبى. ثم أصبح في الإمكان على توالي الأيام أن يُستبدل بالطفل مجرم محكوم عليه بالإعدام. وكان البابليون يلبسون هذا الضحية أثواباً ملكية، لكي تمثل بها ابن الملك، ثم تُجلد وتُشنق. وكان هذا نفسه يحدث في رودس في عيد كرونس. وأكبر الظن أن التضحية بحمل أو جدي في عيد الفصح ليت إلا تخفيفاً لهذه التضحية البشرية اقتضاه تقدم المدنية. وفي ذلك يقول فريزي Frezer ((وفي يوم الكفّارة كان كاهن اليهود الأعظم يضع كلتا يديه على جدي حي، ويعترف فوق رأسه بجميع ما ارتكبه بنو إسرائيل من مظالم حتى إذا ما حمل الحيوان خطايا الشعب على هذا النحو أطلقه في البرية)) (٥١). ??