فانه فيه خلق الكل … الكل به وله قد خلق، الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل" (٥٥)، وليس هو المسيح المنتظر "المسيا" اليهودي، الذي سينجي إسرائيل من الأسر، بل هو الكلمة الذي سينجي الناس كلهم بموته. وقد استطاع بولس بهذه التفسيرات كلها أن يغض النظر عن حياة يسوع الواقعية وعن أقواله التي لم يسمعها منه مباشرة، واستطاع بذلك أن يقف على قدم المساواة مع الرسل الأولين، الذين لم يكونوا يجارونه في آرائه الميتافيزيقية. لقد كان في وسعه أن يخلع على حياة المسيح وعلى حياة الإنسان نفسه أدواراً عليا في مسرحية فخمة تشمل النفوس على بكرة أبيها والأبدية بأجمعها. وكان في وسعه فوق هذا أن يجيب عن الأسئلة المربكة أسئلة الذين قالوا إنه إذا كان المسيح إلهاً حقاً فلم رضي أن يُقتل؟ فقال: إن المسيح قد قُتل ليفتدي بموته العالم الذي استحوذ عليه الشيطان بسبب خطيئة آدم. فكان لابد أن يموت ليحطم أغلال الموت، ويفتح أبواب السماء لكل مَن نالوا رضوان الله.
ويقول بولس إن عاملين اثنين يُقرران مَن سوف يُنجيهم موت المسيح وهما اختيار الله والإيمان المصحوب بالتواضع. فالله يختار من بداية العالم إلى نهايته مَن ينالون نعمته ورضوانه ومَن تحل بهم نقمته (٥٦). ومع هذا فقد نشط بولس في تقوية إيمان الناس حتى يكون إيمانهم هذا سبيلاً إلى نيل رضاء الله. وقال: إن الروح لا تستطيع أن تحس بذلك التبدل العميق الذي يخلق صاحبها خلقاً جديداً، ويوحد بين المؤمنين وبين المسيح، ويمكنه من الاشتراك في ثمار موته. ويقول بولس إن الأعمال الطيبة، وإطاعة كل ما جاء في أوامر الشريعة اليهودية البالغ عددها ٦١٣ أمراً، لا يكفيان للنجاة، لأن هذه الأعمال وتلك الطاعة لا تستطيع أن تبدل طبيعة الإنسان أو أن تُطهّر النفس من الذنوب. لقد اختتم عهد الناموس بموت المسيح، ووجب ألا يكون الآن يهودي ويوناني، أو عبد وحر، أو ذكر وأنثى "لأنكم جميعاً واحد في المسيح" (٥٨). لكن بولس لم يمل قط من أن يغرس