للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

به المسيح، ويلقونه بنفس الترحيب الحماسي الذي كان يصدر من أتباع ديونيشس. وكان مما تنبأ به أن ملكوت السموات قد دنت ساعتها، وأن أورشليم الجديدة التي يقول بها سفر الرؤيا ستنزل من السماء على سهل قريب بعد زمن قليل. ثم سار بنفسه إلى هذه الأرض الموعودة على رأس حشد من الناس بلغ من الكثرة درجة خلت معها بعض المُدن من سكانها. وحدث في هذا الوقت ما حدث في بداية عهد المسيحية فامتنع الناس عن الزواج وعن التناسل، وجعلوا متاعهم ملكاً مشاعاً بينهم، وعمدوا إلى التقشف والزهد استعداداً بمجيء المسيح (٣٩). ولما اضطهد أنطونينس الحاكم الروماني المسيحيين في آسية الصغرى هرع مئات من أتباع منتانس إلى محاكمه سعياً منهم إلى الاستشهاد، ورغبة في الجنة. ولم يستطع أنطونينس أن يحاكمهم كلهم فاكتفى بإعدام بعضهم وطرد معظمهم وقال لهم: "أيها الخلائق التعساء! إذا كنتم تريدون الموت حقاً، فهل عدمتم الجبال وأجراف الصخر العالية؟ " (٤٠) وأعلنت الكنيسة أن تعاليم منتانس كفر وضلال؛ وأمر جستنيان في القرن السادس الميلادي بإبادة هذه الشيعة عن آخرها، فاجتمع بعض أتباع منتانس في كنائسهم، وأضرموا فيها النار، واحترقوا فيها أحياء (٤١).

أما الشيع الضالة الصغرى فقد كانت مما يخطئه الحصر، فمنها شيعة الزهّاد التي عمدت إلى قمع شهواتها بمختلف الوسائل، وقالت إن الزواج من الخطايا؛ ومنها شيعة المتخيلة (Docetists) (١) القائلة بأن جسم المسيح لم يكن لحماً ودماً بل كان شبحاً أو خيالاً؛ ومنها الثيودوتية التي لم تكن ترى في المسيح أكثر من إنسان، والمتبنية (٢)، وأتباع بولس السموساتي Samosata وكانت هاتان الطائفتان تعتقدان أن المسيح كان بمولده رجلاً عادياً ولكنه وصل إلى درجة الألوهية بكماله الخلقي؛ ومنها الظاهرية Modalists والسابلية


(١) والاسم مشتق من اللفظ اليوناني dokein أي يبدو. (المترجم)
(٢) أي التي تقول إن المسيح ابن الله بالتبني لا بالطبيعة. (المترجم)