النيران التي أوقدوها … ضد المسيحيين! - وأرى حكماء وفلاسفة تعلوهم حمرة الخجل أمام تلاميذهم وهم يحترقون معاً! … وممثلي المآسي وهم الآن أعلى صوقاً في مأساتهم مما كانوا في أي يوم من أيام حياتهم، واللاعبين ذوي الأجسام اللدنة في أعماق النار، وسائقي المركبات تشوى لحومهم على عجلة اللهب! " (٥٦).
وهذا الخيال المفرط في القوة يخرج صاحبه عن قواعد الدين السليم. ذلك أنه لما تقدمت بترتليان السن انقلب ما كان فيه أثناء شبابه من نشاط فيّاض يطلب به اللذة ويصرفه فيها، انقلب إلى تنديد شديد بجميع أسباب السلوى عدا سلوة الدين والأمل في نعيم الآخرة، فكان يخاطب المرأة بأوقح الألفاظ ويصفها بأنها "الباب الذي يدخل منه الشيطان" ويقول لها "من أجلكِ مات يسوع المسيح" (٥٧).
وكان ترتليان في يوم من الأيام قد أحب الفلسفة، وألّف فيها، كتباً ككتاب في النفس De Anina حاول فيه أن يطبّق على المسيحية مبادئ الرواقية فيما وراء الطبيعة. أما الآن فقد نبذ كل تفكير منطقي منفصل عن الإلهام والوحي، وقصر أسباب بهجته على كان يحتويه دينه من أمور لا يصدقها العقل السليم. "لقد مات ابن الله: ذلك شيء معقول لا لشيء إلا أنه مما لا يقبله العقل. وقد دُفِن ثم قام من بين الموتى: وذلك أمر محقق لأنه مستحيل"(٨٥). واستغرق الرجل في تزمت نكد مكتئب بلغ من أمره أن خرج وهو في الثامنة والخمسين من عمره على المبادئ السليمة للدين المسيحي، لأنها في رأيه ملوثة بالأساليب الدنيوية، واعتنق المبادئ المنتانية (١) لأنه يراها تطبيقاً مستقيماً سليماً لتعاليم المسيح، وندد بجميع المسيحيين الذين يقبلون أن يكونوا جنوداً، أو فنانين، أو موظفين في الدولة، وبجميع الأساقفة الذين يغفرون خطايا المذنبين التائبين، وانتهى الأمر أن أطلق على البابا لقب "راعي الزانين" Pastor moechorum.
(١) التي كان يقول بها منتانس القريجي. وقد سبق الكلام عليها. (المترجم)