عليه من تفاصيل. وكان تطوره يهدف إلى استبدال العقوبات الدنيوية بما كان فيه من عقوبات دينية، كان يهدف إلى استبدال الرحمة بالقسوة والغرامات المالية بالعقوبات البدنية. مثال ذلك أن محاكمة المتهمين كانت في الأيام الأولى توكل إلى الآلهة. فإذا اتهم رجل بممارسة السحر، أو اتهمت امرأة بالزنا، طلب إليهما أن يقفزا على نهر الفرات، وكانت الآلهة على الدوام في جانب أقدر المتهمين على السباحة، فإذا نجت المرأة من الغرق كانت نجاتها برهانا على براءتها؛ وإذا غرق "الساحر" آلت أملاكه إلى من اتهمه، أما إذا نجا من الغرق فإنه يستولي على أملاك متهمه (٤٩). وكان القضاة الأولون من الكهنة، وظلت الهياكل (٥٠) مقر معظم المحاكم إلى آخر تاريخ البابليين، لكن محاكم غير دينية لا تسأل عن أحكامها إلا أمام الحكومة أخذت من أيام حمورابي نفسه تحل محل المراكز القضائية التي كان يرأسها الكهنة.
وقام العقاب في أول الأمر على مبدأ قانون القصاص "النفس بالنفس والعين بالعين". فإذا كسر إنسان لرجل شريف سناً، أو فقأ له عيناً، أو هشم له طرفاً من أطرافه، حل به نفس الأذى الذي سببه لغيره (٥١). وإذا انهار بيت وقتل من اشتراه حكم بالموت على مهندسه أو بانيه؛ وإذا تسبب عن سقوطه موت ابن الشاري حكم بالموت على ابن البائع أو الباني؛ وإذا ضرب إنسان بنتاً وماتت لم يحكم بالموت على الضارب بل حكم به على ابنته (٥٢). ثم استبدل بهذه العقوبات النوعية شيئاً فشيئاً غرامات مالية، وبدأ ذلك بأن أجيز دفع فدية مالية بدل العقوبة البدنية (٥٣) ثم أصبحت الفدية بعدئذ العقوبة الوحيدة التي يجيزها القانون. فكانت جزاء فقء عين السوقي ستين شاقلا من الفضة، فإذا فقئت عين عبد كان جزاء فقئها ثلاثين (٥٤). ذلك أن العقوبة لم تكن تختلف باختلاف خطورة الجريمة وحسب، بل كانت تختلف أيضاً باختلاف مركز الجاني والمجني عليه. فإذا ارتكب أحد السراة جريمة كان عاقبه أشد من عقاب السوقي إذا ارتكب الجريمة نفسها، أما الجريمة التي ترتكب ضد أحد الأشراف فقد كانت غالية