ومن العجائب أن هذا المحارب الواقعي كان يؤمن بالتنجيم، وأنه كان أكثر الناس براعة في تفسير النذر والأحلام. من ذلك أنه لما أن ماتت زوجته الأولى قبل أن يرتقي العرش بستة أعوام عرض على سوريّة غنية دل طالعها على أنها ستجلس على عرش أن تتزوجه. وكانت هذه الزوجة هي جوليا دمنا Julia Domna ابنه كاهن غني لإلجابال Elgabal إله حمص. وكان نيزك قد سقط في تلك المدينة من زمن بعيد وأقيم له ضريح في هيكل مزخرف، وأخذ الناس يعبدونه على أنه رمز الإله إن لم يكن هو الإله نفسه مجسّماً. وجاءت جوليا إلى قصر سبتميوس، وولدت له ولدين هما كركلا وجيتا Geta، وارتقت عرشها الموعود. وكانت أجمل من أن تقتصر على زوج واحد، ولكن مشاغل سبتميوس لم تكن تترك له من الفراغ ما يسمح له بأن يغار عليها. وقد جمعت حولها ندوة من الأدباء، وناصرت الفنون، وأقنعت فيلوسترانس بأن يكتب سيرة أبلونيوس التيانائي Apollonius of Tyana يخلع عليه الكثير من أسباب المديح. وكانت قوة أخلاقها ونفوذها مما عجل السير بالملكية نحو الأساليب الشرقية التي وصلت إلى غايتها من الناحية الأخلاقية في عهد إلجابالس Elgabalus ومن الناحية السياسية في عهد دقلديانوس.
وسُلخ سبتميوس من حكمه الذي دام ثماني عشرة سنة في حروب سريعة وحشية قضى فيها على منافسيه؛ ودك بيزنطية بعد حصار دام أربعة أعوام. فأزال بعمله هذا حاجزاً كان يقف في وجه القوط الآخذين في الانتشار، وغزا بارثيا، واستولى على طشقونة، وضم بلاد النهرين إلى الإمبراطوريّة، وعجّل سقوط الأسرة الأرساسية المالكة. وأُصيب في شيخوخته بداء النقرس. ولكنه لم يكن يرضى أن يضعف جيشه بعد أن قضى في السلم خمس سنين، فزحف به على كلدونيا Caledonia، وانتصرت على الاسكتلنديين في عدة وقائع غالية الثمن، انسحب على أثرها إلى بريطانيا، ثم آوى إلى يورك حيث وافته المنية (٢١١).