فيها وقتئذ (١٤٦) سبتميوس واجتاز فيها أولى مراحل تعليمه. وكانت نشأته في أسرة فينيقية تتكلم بهذه اللغة، ودرس الآداب والفلسفة في أثينة، واشتغل بالمحاماة في روما، وكان رغم لهجته السامية من أحسن الرومان تربية وأكثرهم علماً في زمانه، وكان مولعاً بأن يجمع حوله الشعراء والفلاسفة، ولكنه لم يترك الفلسفة تعوقه عن الحروب، ولم يدع الشعر يرقّق من طباعه. وكان رجلاً وسيم الطلعة، قوي البنية، بسيطاً في ملبسه، قادراً على مغالبة الصعاب، بارعاً في الفنون العسكرية، مقداماً لا يهاب الردى في القتال، قاسي القلب لا يرحم إذا انتصر. وكان لبقاً فكهاً في حديثه، نافذ البصيرة في قضائه (٢)، قديراً صارماً في أحكامه (٣).
وكان مجلس الشيوخ قد أخطأ إذ أعلن تأييده لمنافسه ألبينس Albinus فذهب إليه سبتميوس وحوله ستمائة من رجال الحرس، وأقنعه بأن يؤيده في ارتقاء العرش؛ فلما تم له ذلك أعدم عشرات من أعضائه وصادر كثيراً من ضياع الأشراف حتى آلت إليه أملاك نصف شبه الجزيرة. ثم ملأ الأماكن التي خلت في مجلس الشيوخ بأعضاء اختارهم بنفسه من بلاد الشرق التي تدين بالنظام الملكي، وأخذ كبار رجال القانون في ذلك العصر - بابنيان Papinian وبولس Paulus، وألبيان Ulpian - يجمعون الحجج التي يؤيدون بها السلطة المطلقة. وأغفل سبتموس شأن المجلس إلا حين كان يبعث إليه بأوامره؛ وبسط سلطانه الكامل على أموال الدولة على اختلاف مصادرها، وأقام حكمه على تأييد الجيش دون خفاء، وحوّل الزعامة إلى مَلَكية عسكرية ورائية، وزاد عدد رجال الجيش، ورفع رواتب الجند، وعمد إلى الإسراف في أموال الدولة حتى كاد ينضب معينها. ومن أعمله أنه جعل الخدمة العسكرية إلزامية، ولكنه حرّمها على أهل إيطاليا، فأصبحت فيالق الولايات من ذلك الحين هي التي تختار الأباطرة لروما بعد أن فقدت العاصمة قدرتها على الحكم.