ولم نجد في الوثائق ما يستدل منه على وجود المحامين في بابل إلا إذا اعتبرنا من المحامين القسيسين الذين كانوا يعملون موثقين للعقود، والكتبة الذين كانوا يكتبون كل ما يطلب إليهم كتابته من الوصية إلى الأرجوزة نظير أجر يتقاضونه. ولم يكن الناس يشجعون على التقاضي، فقد كانت أول مادة في القانون تنص في بساطة تكاد تكون غير (قانونية!). على أنه "إذا اتهم رجل آخر بجريمة (يعاقب عليها بالإعدام) ثم عجز عن إثباتها حكم على المدعي نفسه بالإعدام"(٦٣). وثمة شواهد دالة على وجود الرشوة وإفساد الشهود (٦٤)، وكانت في مدينة بابل محكمة استئناف يحكم فيها (قضاة الملك)، وكان في وسع المتقاضين أن يرفعوا استئنافاً نهائياً إلى الملك نفسه. وليس في شرائع بابل ما يفيد وجود حق للفرد قِبَل الدولة؛ بل كان الفضل في وضع النص على هذا الحق فضل الأوربيين. غير أنه إذا لم يوفر القانون للأهلين الحماية السياسية فلا أقل من أنه قد وفر لهم في المواد ٢٢، ٢٣، ٢٤ الحماية الاقتصادية:"إذا ارتكب رجل جريمة السطو وقبض عليه، حكم على ذلك الرجل بالإعدام. فإذا لم يقبض عليه كان على المسروق منه أن يدلي، في مواجهة الإله، ببيان مفصل عن خسائره؛ وعلى المدينة التي ارتكبت السرقة في داخل حدودها والحاكم الذي ارتكبت في دائرة اختصاصه أن يعوضاه عن كل ما فقده. فإذا أدى السطو إلى خسارة في الأرواح دفعت المدينة ودفع الحاكم مينا (٣٠٠ ريال) إلى ورثة القتيل".
فهل ثمة في هذه الأيام مدينة بلغ صلاح الحاكم فيها درجة تجرؤ معها على أن تعرض على من تقع عليه جريمة بسبب إهمالها مثل هذا التعويض؟ وهل ارتقت الشرائع حقا عما كانت عليه أيام حمورابي، أو أن كل الذي حدث لها أن تعقدت وتضخمت؟