هي ما تطلّبه تنفيذه من نفقات. فقد بلغت البيروقراطية التي تطلّبها تنفيذه من الاتساع درجة وصفها لكتنيوس بأنها احتاجت إلى نصف السكان؛ ولا شك في أنه بالغ في هذا التقدير مبالغة كان الباعث عليها ميوله السياسية (٥٤)، ووجد الموظفون آخر الأمر أن عملهم هذا مما تنوء به العدالة الإنسانية، وكانت رقابتهم متباعدة يستطيع الناس أن يقتلوا منها بما أوتوا من مكر ودهاء. وارتفعت الضرائب ارتفاعاً لم يكن له مثيل من قبل، وفرضت على كل شيء لأداء أجور الموظفين، ونفقات البلاط، والجيش، وبرنامج المنشآت العامة، وإعالة العجزة والمتعطلين، ولكن الدولة قد كشفت بعد طريقة الاستدانة لتخفي بها إسرافها وتؤجل يوم حسابها، فقد كانت أعمال كل عام ينفق عليها من إيراد العام نفسه، وأراد دقلديانوس أن يحتاط لما عساه أن يحدث من أداء الضريبة بعملة مخفضة، فأمر بأن تؤدى الضرائب عيناً كلما كان ذلك مستطاعاً، وحتم على دافعي الضرائب أن يؤدوا ما عليهم إلى مخازن حكومية، ووضع نظاماً شاقاً لنقل هذه الضرائب العينية من هذه المخازن إلى مقرها الأخير (٥٥)، وجعل موظفي البلديات في كل بلدية مسئولين من الوجهة المالية عن كل تقصير في تحصيل الضرائب المفروضة على إقليمهم (٥٦).
وإذ كان من طبيعة كل ممول أن يحاول الهروب من أداء ما عليه من الضرائب، فقد أنشأت الدولة قوة خاصة من الشرطة للفحص عن أملاك كل شخص ودخله؛ واستخدمت وسائل التعذيب مع الزوجات، والأطفال، والعبيد لإرغامهم على الكشف عن ثروة بيوتهم أو مكاسبها، وفرضت عقوبات صارمة على مَن يحاولون الهرب من أداء ما عليهم (٥٧). ومع هذا كله فقد كاد الفرار من الضرائب أن يصبح وباء متفشياً في الإمبراطوريّة كلها في القرن الثالث، وأضحى أكثر تفشياً في القرن الرابع؛ فكان الأغنياء يخفون ثروتهم، وبدل الأشراف طبقتهم ووضعوا أنفسهم في عداد الطبقة الدنيا حتى لا يُختاروا للوظائف