للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حركة متطرفة - بل لعلها حركة شيوعية - تعمل في السر على قلب النظام القائم.

وقد استطاعت القوتان قبل عهد نيرون أن تعيشا معاً من غير أن يشتجر بينهما النزاع؛ وكان القانون يعفي اليهود من أن يعبدوا الإمبراطور؛ ونال المسيحيون في أول أمرهم هذه الميزة لأنهم لم يكن يُستطاع التفريق بينهم وبين اليهود. ولكن مقتل بطرس وبولس، وحرق المسيحيين ليزيد حرقهم ألعاب نيرون بهاء، بدلا هذا التسامح المتبادل المشوب بالاحتقار من الجانبين عداء دائماً، وحرباً تندلع نارها بين الفينة والفينة. فلا غرابة أن وجه المسيحيون بعد هذا الإيذاء، أسلحتهم كلها إلى صدر روما - فنددوا بما فيها من فساد وعبادة للأصنام، وسخروا بآلهتها، وأظهروا الشماتة فيها حين حلّت بها الكوارث (١)، وتنبئوا بسقوطها بعد زمن قليل، وأعلنوا؛ في حماسة الدين الذي أخرجه عن تسامحه عدم تسامح الدولة معه، أن كل مَن أتيحت لهم الفرصة لاعتناق المسيحية ثم لم يعتنقوها سيعذبون عذاباً أبدياً؛ وقال الكثيرون منهم إن هذا سيكون أيضاً مصير كل الخلائق الذين وجدوا قبل المسيحية ثم لم يعتنقوها لأي سبب من الأسباب، وإن كان بعضهم قد استثنى سقراط وحده من العذاب. وردّ الوثنيون على هذا بأن سموا المسيحيين "حثالة الناس" و "برابرة الوقحين"، واتهموهم بأنهم "أعداء الجنس البشري" وقالوا أن الكوارث التي حلت بالإمبراطوريّة ليست إلا نتيجة غضب الآلهة الوثنية والسماح لمن يسبونها من المسيحيين بأن يبقوا أحياء (٢). وأخذ كل فريق يفتري على الآخر آلاف الإفتراءات، فاتهم المسيحيون بأنهم سحرة متصلون بالشياطين، وأنهم يقترفون الخطايا سراً، ويشربون دماء الآدميين في عيد الفصح (٣)، ويعبدون الحمار.

لكن النزاع كانت له أصول أعمق من هذا الخصام. ذلك أن الدولة كانت أسا الحضارة الوثنية في حين أن الدين كان هو أساس الحضارة المسيحية. فالروماني كان ينظر إلى دينه أنه جزء من كيان الحكومة