سلعة فائضة عن حاجته يعرضها مقابل سلعة هو بحاجة إليها (٣١).
لبثت التجارة أمداً طويلا وهي لا تزيد عن هذا التبادل، ومضت قرون قبل أن تخترع وسيلة متداولة ذات قيمة فتعمل على سرعة الحركة التجارية؛ فقد كان الرجل من قبيلة "دياك" يجوز له أن يظل جائلاً في أنحاء السوق ممسكاً بيده كرة من شمع العسل، وباحثاً عن زبون في مستطاعه أن يقبلها منه مقابل شيء يمكن أن يكون أنفع له (٣٢)؛ وأول وسائل التبادل كانت سلعاً يطلبها كل إنسان ويقبلها كل بائع ثمناً لبضاعته: كالبلح والملح والجلود والفراء والحلي والآلات والأسلحة؛ وفي مثل هذا التبادل كانت المدُيتان تساويان زوجا من الجوارب، والثلاثة معاً تساوي بطانية، والأربعة كلها تساوي بندقية، والخمسة جميعاً تساوي جواداً؛ كذلك كان أيّلان صغيران يساويان مُهراً، وثمانية أمهُرٍ تساوي زوجة (٣٣)؛ إنك لا تكاد تجد شيئاً لم يستعمله الناس استعمالهم للنقود هنا أو هناك، وفي هذا الزمن أو ذاك: الفول وشصُّ السمك والقواقع واللؤلؤ والخرز وجوز الهند والحبوب والشاي والفلفل، وأخيراً الأغنام والخنازير والأبقار والعبيد؛ وكانت الماشية معياراً مناسباً لقياس القيمة ووسيلة للتبادل بين الصائدين والرعاة، فهي تربح بالتربية وهي سهلة الحمل لأنها تنقل نفسها؛ فتجد الناس والأشياء حتى عهد هومر يقوَّمون بالماشية: فدرع "ديومديز" قيمتها تسعة رءوس من الماشية، وعبد ماهر يساوي أربعة؛ واللفظتان اللتان استعملهما الرومان للماشية وللمال متشابهتان، فللأولى استعملوا لفظة Pecus وللثانية Pecunia؛ وكذلك طبعوا صورة الثور على نقودهم القديمة؛ بل إن الكلمة التي تستعملها اللغة الإنجليزية لرأس المال وهي Capital ترتد في تاريخها عن طريق اللغة الفرنسية إلى الكلمة اللاتينية Capitale ومعناها مِلك، وهذه الكلمة بدورها مشتقة من Caput التي تعني "رأس" والمقصود رأس من الماشية، فلما أن استنجمت المعادن أخذت تحل شيئاً فشيئاً محل سائر الأشياء في استعمالها معياراً للقيمة، مثال ذلك النحاس والبرونز والحديد، وأخيراً الذهب