ديسيوس (أو أورليوس) على حقيقته وجب علينا أن نصوّر لأنفسنا أمه منهمكة في حرب عوان، تزعجها الهزائم المنكرة، وتتوقع أن يغزو بلادها الأعداء، وتجتاح الإمبراطوريّة موجة من النشوة الدينية القوية في عام ٢٤٩؛ ويهرع الرجال والنساء إلى الهياكل يحيطون بالآلهة ويضرعون إليها بالصلاة والدعوات؛ وفي وسط هذه الحمى التي تتأجج فيها نيران الوطنية والخوف، يقف المسيحيون عن بعد وقفة المشاهدين الذين لا يعنيهم الأمر، ويظلون كسابق عهدهم يستنكرون الخدمة العسكرية ويقاومونها (٢٠)، ويسخرون من الآلهة، ويفسرون انهيار الإمبراطوريّة بأنه هو البشرى التي وردت في النبوءات عن تدمير "بابل" وعودة المسيح. وأراد ديسيوس أن يتخذ من حال الشعب النفسية فرصة يستعين بها على تقوية روح الحماسة الوطنية والوحدة القومية فأصدر مرسوماً يطلب فيه إلى جميع سكان الإمبراطوريّة أن يتقدموا إلى آلهة روما بعمل يتقربون به إليها ويردون به غضبها. ويلوح أن المسيحيين لم يُطلب إليهم أن ينكروا دينهم بل أُمروا أن يشتركوا في التوسل إلى الآلهة التي طالما أنجت روما من الخطر المحدق بها كما يعتقد العامة. واستجابت كثرة المسيحيين إلى هذا الأمر؛ ففي الإسكندرية "كانت الردة عامة" على حد قول الأسقف ديونيشيوس (٢١)؛ وحدث ذلك بعينه في قرطاجنة وأزمير؛ وأكبر الظن أن المسيحيين من أهل تلك المُدن وأمثالها كانوا يرون أن هذا التوسل لا يُعد وأن يكون نوعاً من الوطنية، ولكن أسقفي أورشليم وإنطاكيا قضيا نحبهما في غياهب السجن، وأعدم أسقفا روما وطولوز (٢٥٠)، وألقي مئات من المسيحيين الرومان غياهب الجب، وقُطعت رؤوس بعضهم، ومات الكثيرون منهم على قوائم الإحراق، وألقي عدد قليل منهم إلى الوحوش في حفلات الأعياد، وخفت حدة الاضطهاد بعد عام من ذلك الوقت، ولم يحل عيد الفصح في عام ٢٥١ حتى انتهى أمرها أو كاد. وبعد ست سنين من ذلك الوقت أمر فليريان، في خلال أزمة أخرى من أزمات الغزو والرعب،