رؤى مخيفة وأحلام لذيذة تغلب عليها كلها، حتى اشتهر بالقداسة، وعمت هذه الشهرة جميع أنحاء العالم المسيحي، وعمرت الصحراء بالنساك المنافسين له. وأحس باخوميوس في عام ٣٢٥ أن اعتزال الناس أنانية فجمع الزهاد في دير عند طابين في مصر، وأنشأ الرهبنة الجماعية التي صار لها أعظم الأثر في بلاد الغرب. وقاومت الكنيسة حركة الرهبنة وقتاً ما، ثم رضيت بها لتوازن اهتمامها المتزايد بشئون الحكم.
وقبل أن يمضي عام واحد على اعتناق قسطنطين المسيحية حدث فيها انشقاق شديد الخطورة كاد يقضي عليها في ساعة النصر. ذلك أن دوناتس Donatus أسقف قرطاجنة، يؤيده قسطنطين اسمه كاسمه ومزاجه كمزاجه، أصر على أن الأساقفة الذين أسلموا الكتاب المقدس لرجال الشرطة الوثنيين قد فقدوا بعملهم هذا أهليهم لمنصبهم وسلطتهم، وأن شعائر التعميد ورسامة القساوسة التي تجري على أيدي هؤلاء الأساقفة باطلة، وان صحة العشاء الرباني يقف بعضها على الحالة الروحية للقائم بخدمته. ولما رفضت الكنيسة العمل بهذه العقائد الصارمة نصب الدوناتيون أساقفة جدد في كل مكان رأوا أن الأسقف الذي فيه لا تنطبق عليه شروطهم، وحزن قسطنطين أشد الحزن لما أعقب هذه الحركة من فوضى وعنف، وقد كان يظن أن المسيحية ستكون قوة تعمل على الوحدة؛ ولعله قد تأثر بعض التأثر بالحلف الذي عقد إلى حين بين الدوناتيين وبين القائمين بالحركة المتطرفة بين الزراع الأفريقيين. ولهذا دعا الأساقفة إلى مجلس جامع يعقد في أرليس (٣١٤)، وأيد ما أصدره من قرار بالتشهير بالدوناتية، وأمر المنشقين بالعودة إلى الكنيسة، وقرر أن المجامع التي لا تطيع هذا القرار تفقد أملاكها وحقوقها المدنية (٣١٦). وبعد خمس سنين من ذلك الوقت طافت بعقله في فترة قصيرة ذكرى مرسوم ميلان، فألغى هذه القرارات، وتسامح مع الدوناتيين