للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تلك هي انشقاق الاديرة، والانشقاق الدوناني (١)، والإلحاد الأريوسي (٢). وكانت الكنيسة، في الفترة الواقعة بين اضطهادي ديسيوس ودقلديانوس، قد أضحت أغنى الهيئات الدينية في الإمبراطوريّة، وخففت من هجماتها على الثراء. فترى سبريان يشكو من أن أبناء أبرشيته قد أضل حب المال عقولهم، ومن أن النساء المسيحيات يصبغ وجوههن، وأن الأساقفة يتولون مناصب في الدولة تدر عليهم المال الكثير، فأثروا، وأقرضوا المال بربا فاحش، وارتدوا عن دينهم إذا بدت لهم أول علامة من علامات الخطر (٤١)، ويبدي يوسبيوس حزنه من تناحر القساوسة في تنافسهم على المناصب الكنسية العليا (٤٢).

وقصارى القول أن الدنيا جعلت المسيحيين رجال دنيا في الوقت الذي هدت فيه المسيحية العالم إلى ذلك الدين؛ وأظهرت الدنيا ما في الفطرة البشرية من غرائز وثنية. وقامت الرهبنة المسيحية احتجاجاً على هذا التوفيق المتبادل بين الروح والجسم. ذلك أن أقلية من المسيحيين كانت ترغب في الابتعاد عن كل طاعة للشهوات البشرية، وتطالب بالاستمرار على الانهماك المسيحي القديم في التفكير في الحياة الأبدية الخالدة. وجرى بعض هؤلاء الزهاد على الكلبيين فتخلوا عن جميع أملاكهم، وارتدوا ثوب الفلاسفة الخلق، وعاشوا على ما يقدم لهم من صدقات. وذهب بعضهم ليعيشوا بمفردهم في الصحراء المصرية كما فعل بولس الناسك. وحدث حوالي عام ٢٧٥ أن بدأ راهب مصري يدعى أنطونيوس ربع قرن من حياة العزلة قضى بعضها أولاً في قبر، وبعضها في حصن جبلي مهجور، وبعضها الآخر في فجوة ضيقة نحتها في الصخور، كانت تنتابه فيها أثناء الليل


(١) نسبة إلى دوناتس Donatus وهو زعيم شيعة مسيحية أفريقية ظهرت في القرنين الرابع والخامس، وكانت تعارض أي نقص في احترام الشهداء وتطالب بإعادة تعميد مَن ينظمون إليها من أتباع الكنيسة الكاثوليكية. (المترجم)
(٢) نسبة إلى أريوس الإسكندري المتوفى عام ٣٣٦ م. والذي كان ينكر ألوهية المسيح. (المترجم)