كتاب قصة الحضارة

انتصار المسيحية - قسطنطين والمسيحية - ج: 11 - ص: 389

المفرد في صبر وأناة بجميع المراسيم التي يتطلبها منه منصب الكاهن الأكبر، والتي تحتمها عليه الطقوس التقليدية، وجدد بناء الهياكل الوثنية، وأمر بممارسة أساليب العرافة؛ واستخدم في تدشين القسطنطينية شعائر وثنية ومسيحية معاً، واستعمل رقى سحرية وثنية لحماية المحاصيل وشفاء الأمراض (٣٦).

ولما توطدت دعائم قوته أخذ يجهر تدريجياً بمحاباة المسيحية، فمحا بعد عام ٣١٧ من نقوده واحدة بعد واحدة ما كان على وجهها من صور وثنية، ولم يحل عام ٣٢٣ حتى كان كل ما عليها من الرسوم نقوشاً محايدة لا هي مسيحية ولا وثنية. ومن المراسيم القانونية الباقية من عهده مرسوم مشكوك فيه ولكنه لم يثبت كذبه، يخول الأساقفة المسيحيين حق الفصل فيما يقوم في أبرشياتهم من منازعات قضائية (٣٧)، وأعفت قوانين أخرى أملاك الكنيسة العقارية من الضرائب (٣٨) وجعلت الجماعات المسيحية شخصيات معنوية قضائية، وأجازت لها امتلاك الأرض وقبول الهبات، وجعلت الكنيسة هي الوارثة لأملاك الشهداء الذين لم يعقبوا ذرية (٣٩). وكذلك وهب قسطنطين أموالاً إلى المجامع الدينية المحتاجة إليها، وشاد عدداً من الكنائس في القسطنطينية وغيرها من المُدن، وحرّم عبادة الأوثان في عاصمته الجديدة. وكأنه نسي مرسوم ميلان فحرّم اجتماع الشيع الدينية الملحدة، وأمر آخر الأمر بتدمير مجامعهم الدينية (٤٠)، وربى أبناءه تربية مسيحية سليمة، وأعان بالمال أعمال البر المسيحية التي كانت تقوم بها أمه. وابتهجت الكنيسة بهذه النعم التي فاقت كل ما كانت تتوقعه؛ وكتب يوسيبوس صحائف كانت في واقع الأمر عقود مدح لقسطنطين وإقراراً بفضله، واحتشد المسيحيون في جميع أنحاء الإمبراطوريّة ليعبروا عن شكرهم لانتصار إلههم.

غير أن سحباً ثلاثاً كدّرت صفو ذلك اليوم الذي "لا سحاب فيه":