لها. لقد كانت هذه الدولة قشرة فارغة حين قامت المسيحية في ربوعها، وحين داهمها غزو البرابرة.
ولقد ذكرنا في فصل سابق الأسباب الاقتصادية التي أدت إلى ضعف روما، لأنا رأينا أن ذكرها ضرورياً لفهم إصلاحات دقلديانوس، ولسنا نحتاج إلى أكثر من تلخيصها هنا تذكرة للقرّاء. نذكر اعتماد روما على الحبوب المستوردة من الولايات اعتماداً مزعزعاً لا تؤمن مغبته، وإنقطاع ورود العبيد وانهيار الضياع الكبيرة، وانحطاط وسائل النقل والأخطار التي تتعرض لها التجارة، وفقد رومة أسواق الولايات بسبب منافسة هذه الولايات نفسها لها، وعجز الصناعة الإيطاليّة عن تصدير ما يوازي واردات إيطاليا، وأدى إليه ذلك من انتقال المعادن الثمينة إلى الشرق؛ والحرب المدمرة بين الأغنياء والفقراء، وارتفاع نفقات الجيوش، والمساعدات التي تقدم للعجزة والفقراء، والأعمال العامة، والبيروقراطية المطردة الزيادة، وتثبيط خطط النابهين ذوي الكفاءات، والحاشية المتطفلة التي تؤدي عملاً من الأعمال، ونفاد رؤوس الأموال المستثمرة لما كان يفرض عليها من الضرائب التي تبلغ حد المصادرة، وهجرة رؤوس الأموال والعمال، واستخدام العبيد في الأعمال الزراعية، وفرض نظام الطبقات الصارم على الأعمال الصناعية؛ كل هذا قد قوض الأسس المادية للحياة الإيطاليّة حتى أضحت قوة روما في آخر الأمر شبحاً سياسياً يعيش بعد موتها الاقتصادي.
وأما الأسباب السياسية التي أدت إلى انهيار الإمبراطوريّة فترجع كلها إلى أصل واحد - هو أن الاستبداد المتزايد قضى على شعور الفرد بحقوق المدنية، وأنضب معيّن قدرته على القيام بأعباء الحكم. ولما عجز الروماني عن التعبير عن إرادته السياسية إلا بالعنف، فقد من أجل ذلك اهتمامه بشئون الحكم، وانهمك في أعماله، وفي متعه، وفي فيلقه، أو في نجاته الفردية. لقد كانت الوطنية والديانة الوثنية وثيقتي الارتباط إحداهما بالأخرى، وها هما الآن يقضى عليهما معاً (١٣). واستنام مجلس الشيوخ إلى الكسل والخمول، واعتاد الخضوع أو الارتشاء بعد أن ظل يفقد سلطانه ومكانته شيئاً فشيئاً بعد برتناكس،